القاهرة | على عكس محافظة بورسعيد، التي يدخل العصيان المدني فيها غداً أسبوعه الثاني، لا تبدو دعوات العصيان المدني في باقي المحافظات ذات جدوى كبيرة. اذ لم تسفر عن شيء في محافظتي الغربية والسويس، بينما تبدو أكثر جاذبية في محافظة الاسماعيلية المتاخمة لبورسعيد، التي دعت فيها عدد من القوى الثورية لبدء عصيان شامل بدءاً من أول آذار المقبل. بالرغم من ذلك استمر المصريون في الاتفاق على فعل واحد وهو الاحتجاج على السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة في موازاة استمرار الحكومات والنخب السياسية والتشريعية المتتالية في تبني سياسات اقتصادية تزيد من إفقار الفقراء وتهميشهم.
عدد الاحتجاجات في العام 2012 وصل الى مستوى غير مسبوق ليزيد عن «3817 احتجاجاً يجمع جميع اطياف الشعب المصري»، حسبما أوضح تقرير صادر عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية والاجتماعية.
وبدا واضحاً أن معدل الاحتجاجات ارتفع إلى أكثر من الضعف في النصف الثاني من 2012 متزامناً مع فترة حكم مرسي ليسجل على سبيل المصال 615 احتجاجاً في شهر أيلول. ووفقاً للمركز، فإن الإحصائيات تشير إلى أن القطاع الحكومي جاء في المرتبة الأولى من حيث عدد الاحتجاجات، بعدما بلغت 1381 احتجاجاً، في حين شارك الأهالي بـ 1205 احتجاجات. وجاء القطاع الخاص في المرتبة الثالثة بـ410 احتجاجات، فيما شهد قطاع الأعمال العام 222 حالة احتجاجاً، بينما نظم أصحاب الأعمال الحرة 204 حركات احتجاجية.
ولتصاعد الاحتجاجات العمالية والمطلبية أسباب متعددة. فمن جهة تسود حالة الغضب في صفوف النقابيين بعد تقويض العمل النقابي عبر تشريع صاغه وزير العمل الاخواني خالد الازهري، وصدر مؤخراً ليقوض بشدة الحق في التعددية النقابية.
ويتزامن ذلك مع مطالب برفع الأجور، ولا سيما في ظل التراجع الكبير في مستويات المعيشة على خلفية الارتفاعات القياسية في الاسعار. فعلى سبيل، شهدت معدلات التضخم في شباط الحالي ارتفاعاً بنسبة 6.6 في المئة قياساً إلى كانون الثاني وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء. وهو ارتفاع ناجم عن ارتفاعات قياسية أخرى في سعر الدولار أمام الجنيه في بلد يعاني من خلل هيكلي في ميزانه التجاري للحد الذي لم تتجاوز فيه تغطية الصادرات للواردات 38 في المئة في العام 2012.
ويضاف إلى كل ذلك تراجع التصنيف الائتماني لمصر، أثّر سلباً على قدرتها على استيراد السلع الاساسية عبر العقود الآجلة، ما رفع الاسعار نتيجة تراجع المعروض.
لكن بدا خلال الآونة الأخيرة أن السلطة والمعارضة لا توليان أي اهتمام لهذا الضغط العارم من المطالب الاجتماعية المتصاعدة، وهو سلوك متواصل منذ بداية موجة الاضرابات العمالية قبل سنوات قليلة وصولاً إلى أن بدأت السماء تمطر اضرابات، بحسب التعبير المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في وصف تصاعد موجة الاحتجاجات العمالية.
هشام فؤاد، عضو المكتب السياسي في حركة الاشتراكيين الثوريين وعضو مكتب العمال فيها، أوضح لـ «الأخبار» أن الاضرابات العمالية شهدت تغيراً نوعياً لا كمياً فقط. وتحدث عن «ميل ملحوظ للجوء العمال الى الاستيلاء على المصانع واعادة تشغيلها لصالحهم في مواجهة لجوء اصحاب العمل المتعثرين الى اغلاق المنشآت والهرب الى خارج البلاد، كما يبدو من أداء العمال في شركة انكوباب للورق التي حذت حذو شركة قوطة للصلب». ولفت إلى أنه «بعد هروب رب العمل، على خلفية قروض حصل عليها من المصارف ولم يسددها، لجأ العمال لمحاولة استصدار تفويض من النائب العام لتشغيل الشركة ذاتياً في مواجهة عرقلة متعمدة لمسعاهم من قبل النائب العام». وأضاف «في رأيي الدولة تخشى بشدة من اتساع تجربة الادارة الذاتية للمصانع من قبل العمال، كونها تعلم أن إعادة تسليم الشركات لرجال الاعمال ستتعذر في حال نمت ثقة العمال في أنفسهم وفي قدرتهم على تسيير العمل وتوزيع العائدات بعدالة».
وكان عمال قوطة للصلب قد نجحوا أول من امس في انتاج 60 طناً من الحديد تحت إدارة العمال بعد شهور من التوقف، نتيجة اغلاق المصنع من صاحبه عبد الوهاب قوطة على خلفية ما قال إنها ديون متراكمة عليه لصالح شركة الكهرباء والمياه بخلاف الديون المصرفية.
وتعد تجارب الادارة الذاتية بعد الثورة إحدى تبعات تطور الحركة العمالية بعد ظهور النقابات العمالية المستقلة في العام 2008 قبل الثورة في مواجهة النقابات الموالية للدولة. وضع دفع فؤاد للربط بين ادراك الدولة لخطورة التطور النوعي للحركة العمالية والمطلبية وعودة ممارسات قديمة في مواجهة احتجاجات العمال بعد أن بدا أنها اندثرت قبل الثورة. كما أشار إلى اقتحام قوات الأمن لاعتصام عمال شركة تيتيان للاسمنت في الاسكندرية باستخدام الكلاب البوليسية.
ووفقاً لفؤاد، فإن خطورة تصاعد الحركة العمالية واضحة مع انضمام تلك الحركة وفاعليتها الواضحة في العصيان المدني في مدينة بورسعيد، ولا سيما أن عمال المنطقة الاستثمارية الحرة انضموا للاحتجاجات، فيما اضرب عمال الموانئ هناك حاملين شعارات سياسية من قبيل المطالبة بالقصاص لشهداء المدينة الذين سقطوا على يد قوات الأمن هناك.
ورأى فؤاد أن هذا التطور يعبر عن ارتفاع معدلات التسييس بشدة في مطالب الحركة العمالية، والتقاء المطالب الاجتماعية والسياسية «ما ينبئ بامكان امتداد دعاوي الاضراب العام في مصر كلها، وصولاً الى عصيان مدني يشل البلاد».