غزة | شارفت منطقة الأنفاق على التحوّل إلى مساحة أرضية مستوية، بعدما غرق أكثرها بالمياه العادمة، التي ضختها السلطات المصرية فيها بهدف تدميرها بشكل كامل، باستثناء أنفاق ستكون معلنة ومحدودة جداً، ولن تتعدى الـ1 في المئة من عددها الأصلي، على أن تكون تحت إشراف الحكومة المقالة في قطاع غزة، وتقتصر إدخالاتها على المواد الغذائية وبعض مستلزمات البناء. هذا ما أكّده مصدر مصري، فضل عدم الكشف عن اسمه لـ«الأخبار»، مشيراً إلى أنّ إعلان الحكومة المصرية الحرب على الأنفاق لم يحصل إلا بعد الاتفاق مع حكومة «حماس»، على إبقاء ما يقارب الخمسين نفقاً تنفيذاً لبنود الاتفاق المبرم مع إسرائيل بوساطة مصرية عقب حرب الثمانية أيام الإسرائيلية الأخيرة.
وأوضح المصدر نفسه أن معلومات جدّية، وإن كانت غير معلنة، تشير إلى أنّ إغلاق الأنفاق هو جزء من بند سرّي في اتفاق التهدئة، كان برعاية وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، لمنع تهريب السلاح إلى المقاومة والمتشدّدين. وأضاف أنّ «حماس تدرس الوضع السياسي جيداً وبناء عليه ستتخذ القرارات التي تفيدها بالمستقبل القريب وكذلك البعيد، وخصوصاً أنها بحاجة الآن إلى مخرج جديد لها من أزمة مستجدة في ظل تراجع قوة الإخوان المسلمين في مصر، ورفض الجيش للوضع في سيناء». وقال «من مصلحة «حماس» أن تتجه نحو فتح المعابر، وإنهاء الحصار وكذلك العودة إلى تحقيق المصالحة الفلسطينية مع أبو مازن وسلطة رام الله ولكن بصورة المنتصر».
بدوره، أكّد المحلل السياسي أكرم عطا الله، أنّ مصر لم يكن بإمكانها إغلاق أنفاق لولا حصولها على ضمانات إسرائيلية بتخفيف الحصار بشكل كبير عن غزة. وقال إن «الحرب على الأنفاق تأتي بالتزامن مع أنباء حول وجود مفاوضات بين إسرائيل و«حماس»، غير مباشرة وبوساطة مصرية، وذلك يؤكد وجود بند ضمن الاتفاق يقضي بإلغاء وجود الأنفاق كلياً لضمان عدم تهريب الأسلحة إلى غزّة». واعتبر أن «العلاقة عكسية بين المعابر والأنفاق، فإن وُجد أحدهما أُلغي الآخر، لكن التخوّف الكبير من ترسيخ الانقسام من خلال معاملة «حماس» ككيان مستقل بعيداً عن الضفة الغربية»، موضحاً أن «حماس تسعى جاهدة لترسيخ حكمها بغزة بغض النظر عن المواطنين وهي لم تعلن عجزها عن إدارة القطاع في أحلك الظروف».
وتعدّ الأنفاق مصدراً قوياً يعتمد عليه اقتصاد حكومة «حماس» من خلال فرض سيطرتها على البضائع الداخلة عبرها، والتي تصل إلى نسبة غير قليلة من معدل اقتصادها. ويصنف العمل فيها بالخطير نظراً لارتفاع أعداد الضحايا، بحيث وصلت الحصيلة الأخيرة إلى 232 قتيلاً منذ بداية إنشائها.
ورغم السخط الواضح على أصحاب الأنفاق نتيجة فقدانهم مصدر رزق يدرّ عليهم الكثير من الأموال، تباينت آراء العاملين فيها ما بين مؤيد ومعارض. ويقف إبراهيم الشاعر (25 عاماً) أمام فوهة نفق كان يعمل به يتأمله وهو ممتلئ بالمياه العادمة التي ضخّتها مصر، ويقول «أنا أشعر بالسعادة، ففي هذا النفق رأيت أسوأ أيام حياتي، في كل مرة أنزل فيه أتوقع ألا أخرج منه حياً، ولكن الحياة الصعبة هي التي أجبرتني على العمل فيه». ويأمل الشاعر أن تفتح المعابر بالفعل، وأن تدخل المواد اللازمة للقطاع، وأن تكون فرص إنشاء مشاريع بسيطة تمكنه من إعالة أسرته المكونة من 8 أفراد ما بين والدته الأرملة وإخوته الستة.
أبو محمد زعرب (55 عاماً) أتى مسرعاً بعدما سمع نبأ تدمير أحد أنفاقه، وانهال بالشتم على الحكومة المصرية وحماس، قائلاً «حتى مصدر رزقنا الوحيد بدهم يحرمونا منه، بعد ما كنا نشحذ بالشوارع، لكن هي هيك السياسة يوم إلنا وعشرة علينا، لا حماس ولا مصر ولا إسرائيل بفكروا بالشعب كلهم بدهم مصالحهم الخاصة والشعب هو اللي بياكلها دايما».
ورغم الأرباح التي يحققها التجار والحكومة جراء إدخال السلع الى القطاع وانتعاش الحركة التجارية، لكنها كانت في الوقت نفسه سبباً في إغلاق العديد من المصانع، بسبب منافسة البضاعة التي تدخل عبرها للمنتج الوطني.
مهدي إبراهيم (27 عاماً)، عامل في أحد المصانع، ينتظر بفارغ الصبر أن تغلق الأنفاق لأنها ستكون سبباً رئيسياً في تحسن إنتاجية مصنعهم الذي تراجعت إنتاجيته لأكثر من 50 في المئة منذ وجود تلك الأنفاق.
ويرى المحلل الاقتصادي، معين رجب، أن إغلاق الأنفاق يرفع من نسبة تسويق المنتج المحلي، رغم أن المصانع المحلية معدودة. غير أنه يعتبر أن تدميرها يؤثر سلباً على حركة تداول السلع التي تدخل عبر مصر إلى القطاع. ويؤكد أنه «عند تدمير جميع الأنفاق، لا بد أن يكون هناك بديل». ويتابع «نحن غير متمسكين بوجود الأنفاق، واستمراريتها ضرورة فرضها الحصار الظالم من قبل سلطات الاحتلال»، مشيراً إلى أن «حماس تبحث عن بديل آخر يعوضها عن النقص الذي سيتأثر به اقتصادها، في حال غابت عوائد الضرائب عنها، وذلك عبر الاعتماد على التجارة مع مصر بطريقة صحيحة تحقق المنفعة للحكومتين في غزة ومصر».
من جهة ثانية، يتخوف بعض المواطنين من موجة الغلاء التي قد تجتاح القطاع في حال أُغلقت الأنفاق، غير أنّ آراء أخرى ترى فيها خيراً، وخصوصاً أنّها تسمح بتهريب المخدرات»، إضافة الى استخدامها من قبل المتشدّدين الذين يضرون بالأمن المحلي والمصري.