دمشق | تجاوز واقع الحياة أمس في عاصمة الأمويين في دمشق سريالية وغرائبية أكثر مشاهد أفلام الرعب دموية. لا يمرّ يوم واحد دون أن يسمع سكان عاصمة الأمويين، أصوات الانفجارات والاشتباكات المسلحة، وصفارات سيارات الإسعاف المنطلقة نحو مختلف المناطق والضواحي المتاخمة لمركز العاصمة. حالة من الهدوء الحذر والترقب الدائم، ولعبة التحايل على الرعب والخوف اليومي، بات يعيشها ويلعبها سكان مدينة الياسمين، سرعان ما تحولت إلى حقيقة موجعة، وصدمة قاسية قبل ساعة واحدة من منتصف ظهيرة يوم أمس، عندما فجّر إرهابي نفسه بسيارته في شارع الثورة على أطراف حيّ المزرعة السكنيّ.
وأشارت المعاينة الأولى للحفرة العميقة التي خلفها الانفجار إلى أنّ الإرهابي لم يتمكن من الوصول إلى مدخل فرع حزب البعث الاشتراكي، الهدف المباشر الأكثر احتمالاً للتفجير، بسبب إغلاق الطريق الفرعي المؤدي للفرع بحاجز أمني، هذا ما جعل الإرهابي يفجر نفسه بأقرب نقطة ممكنة من الفرع، مما خلف أضراراً كبيرة جداً، طالت سكان الأبنية المجاورة، وعدداً كبيراً من سائقي وركاب محطة الانطلاق، ومسشفى الحياة، ومدرستي عبد الله ابن الزبير وابن كثير، المجاورتين لمكان الانفجار. كما أصيب عدد من النازحين المقيمين في مسجد الإيمان، وأبنية المؤسسة العامة للكتب المدرسية. الاحصائية الأولية لعدد القتلى والمصابين التي أعلنها الإعلام السوري الرسمي هي «53 شهيداً، وأكثر من 235 جريحاً، ومجمل الوفيات والإصابات من المدنيين والمارة والأطفال». كما أصيب الأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، نايف حواتمة، جراء الانفجار أثناء وجوده في مقر الجبهة. لكن حجم الدمار الكبير، وحالة الهلع والخوف وصفارات سيارات الإسعاف التي هرعت إلى مكان الانفجار، تؤكد أنّ أرقام الضحايا قد تتعدى ما قدمه الإعلام السوري بكثير. «الأخبار» حاولت الوصول إلى مكان الانفجار، لكن عناصر الأمن الذين انتشروا بكثرة، منعوا المواطنين من الاقتراب ومساعدة الجرحى والمصابين حرصاً على سلامتهم. «جلّ ما نخشاه الآن، هو حدوث انفجار آخر كما عودتنا العصابات الإرهابية مؤخراً، لتحقيق أكبر عدد ممكن من الإصابات البشرية»، هذا ما قاله أحد عناصر الأمن للحشود التي وقفت مذهولة، على بعد مئات الأمتار من مركز الانفجار، تشاهد سحب الدخان الأسود ترتفع في سماء عاصمتهم، ويشتم رائحة الشواء الآدمي التي زكمت الأنوف. أشلاء القتلى التي انتشرت في مساحة كبيرة، كانت كافية لتقدم دليلاً واقعياً على حجم الإرهاب والدموية التي باتت دمشق تعيش وقائعه اليوم. على بعد حوالي 500 متر جنوب منطقة المزرعة، يمتد أحد أكثر أسواق دمشق شعبية. حالة من الهرج والمرج والصراخ انتابت أجواء السوق، عندما عثر بعض المارة على ساق مبتورة. «إنها ساق فقط، ماذا عن باقي الجسد، هل نبحث عنه في سوق الحميدية؟ وكيف سيتمكن الطبيب الشرعي أو أهل القتيل من تحديد هويته؟» يتساءل أحدهم، بينما يصب الباقون جام غضبهم بالشتائم وأقذر الألفاظ، على من مول وخطط ونفذ هذه العمل «الإرهابي المجرم، الذي لا يمت إلى الإنسانية بصلة». سرعان ما نقل التلفزيون السوري الرسمي، صوراً ومشاهدة مباشرة من موقع الانفجار، وعرض على شريط الأخبار خبراً مفاده «أنّ قوات الأمن قامت عقب التفجير بملاحقة سيارة بالقرب من موقع التفجير، وضبطت فيها خمس عبوات متفجرة تزن كل منها 300 كيلوغرام من المتفجرات، وألقت القبض على الارهابي الانتحاري الذي كان يقودها». جاء هذه الخبر ليكمل مشهد الرعب الذي أصاب جميع السوريين. وسرعان ما تحولت مشاهد الانفجار الدموية إلى حديث الساعة في الشارع السوري بأطيافه المختلفة. الموالون وجدوا مادة جديدة لتؤكد وجهة نظرهم وقناعاتهم، محملين مسؤولية الحرب الدموية الدائرة في بلادهم، بما فيها والإرهاب الدولي المنظم، لتنظيم «القاعدة» و«جبهة النصرة». «عشرات الأطفال سقطوا في مدارسهم، بين قتيل وجريح، ما ذنب هؤلاء الصغار الذين لا يدركون الفرق بين الموالاة والمعارضة»، يقول أحد المواطنين الغاضبين لـ«الأخبار»، وهو يحاول الاتصال بشكل هستيري عبر هاتفه الجوال بأقربائه للاطمئنان إليهم. في الوقت نفسه، تساءل مواطن آخر عن الآلية والطريقة التي تمكن بها الإرهابي من العبور بين عشرات الحواجز الأمنية ليصل إلى هدفه «من المستحيل أن يصل أحد بسيارته إلى مركز المدينة، دون المرور بعشرات الحواجز الأمنية، التي تفتش فيها جميع السيارات تفتيشاً دقيقاً. كيف يمكن اقناع المواطن السوري اليوم بضرورة وجود هذه الحواجز؟ ربما هبط الإرهابي مع سيارته المفخخة بمظلة من السماء».
ولم يقتصر مسلسل الإرهاب الذي طال العاصمة دمشق أمس، على تفجير المزرعة فقط، وإن كان الأخير قد حظي باهتمام كبير من قبل الإعلام السوري الرسمي والغربي، بعكس التفجيرات الباقية، التي طال أحدها مبنى أمني في غاية الأهمية يقع في منطقة برزة.
في السياق، وجّهت وزارة الخارجية السورية رسالتين متطابقتين إلى رئيس مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول سلسلة التفجيرات التي شهدتها العاصمة السورية. ولفتت إلى أنّ «مجموعات ارهابية مسلحة ترتبط بـ«القاعدة»، نفذت الهجمات، وهي تتلقى دعماً مادياً ولوجستياً وتغطية سياسية واعلامية من دول في المنطقة وخارجها، خلافاً لالتزامات هذه الدول التي يمليها القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة في مجال مكافحة الارهاب.
في السياق، دانت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، التفجيرات. كما دانت التفجير الذي وقع قرب السفارة الروسية في دمشق. وحثت «جميع الدول والجهات المؤثرة على المتطرفين والأصوليين في سوريا» على عمل شيء ما. بدوره، دان «الائتلاف» المعارض، في بيان، «التفجيرات الارهابية» التي وقعت «أيّا كان مرتكبها».