صنعاء | «الرجاء من قائد القوات الجوية تنبيه سكان العاصمة عند إقلاع أي طائرة عسكرية لكي يغادروا منازلهم». لم يجد سكان صنعاء أفضل من هذا التعليق للسخرية من تكرار حوادث سقوط الطائرات العسكرية وسط الأحياء السكنية.
ففي منتصف ظهيرة أول من أمس، في وسط صنعاء في منطقة محاذية لساحة التغيير، تكرر المشهد مجدداً. طائرة حربية من نوع «سوخوي22» روسية الصنع فقدت طريقها إلى المطار العسكري، وسقطت فوق رؤوس الناس والمباني السكنية، مسبّبةً سقوط 12 قتيلاً و17 جريحاً.
وبعدما طلب قائد الطائرة، الذي كان وحيداً في القمرة من غير مساعدين، من برج المراقبة أخذ الأذن بالهبوط، سقطت الطائرة فجأة، بزاوية سقوط سبعين درجة، لتضرب الطابق الأخير من مبنى مكوّن من أربعة طوابق، ثم تواصل سقوطها باتجاه مبنى آخر مخترقةً الطابق الأرضي منه لتخرج من الجهة الأخرى، قاطعة الطريق الاسفلتي قبل أن تستقر نهاية الأمر في المبنى المقابل.
لم يظهر هذا الأمر مستغرباً من قبل يمنيين كُثر وقد صاروا معتادين هذا النوع من الكوارث التي كان آخرها قبل نحو أربعة أشهر عندما سقطت طائرة من نوع «أنطونوف» روسية الصنع في منطقة قريبة من معقل الشيخ القبلي صادق عبد الله حسين الأحمر. وأدى هذا السقوط في حينه إلى مقتل كافة من كانت تحملهم الطائرة وعددهم عشرة، بينهم عدد من أفضل مدرّبي الطيران في اليمن.
عدد القتلى كان يمكن أن يتحول إلى أضعاف لولا قائد الطائرة الذي نجح في جعلها تتحطم في مكان غير آهل بالسكان، حيث تظهر تلك المنطقة المحيطة بمعقل الشيخ الأحمر كمنطقة مهجورة بعد أن تركها أصحابها جرّاء المواجهات المسلحة التي حدثت في فترة الانتفاضة الشعبية اليمنية ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وإذا كانت الأحياء السكنية في صنعاء عرضة لآخر حادثي سقوط، فإن مختلف المدن اليمنية كان لها نصيب من الأمر. ففي شباط 2012، سقطت طائرة عسكرية من نوع سوخوي إثر اصطدامها بأحد الجبال في مدينة الجوف (شمال صنعاء) وهي تقوم بعملية تدريبية ليلية. وفي تشرين الأول من عام 2011 تحطمت طائرة أخرى، ما أدى إلى مقتل 8 خبراء سوريين إضافة إلى إصابة ستة مساعدين، وهي تحاول الهبوط في قاعدة العند الجوية في محافظة لحج (جنوبي صنعاء). وتم الكشف بعدها أن الطائرة التي سقطت هي من نوع «أنطونوف» روسية الصنع وهي مخصصة للشحن.
وإلى هذا، هناك العديد من سقوط الطائرات، يمتد منذ بداية عام 2010، مسببةً خسائر قدّرها البعض بأكثر من 800 مليون دولار، وأدت إلى مقتل العديد من خيرة الطيارين الحربيين اليمنيين، لكن في النهاية كانت كافة التقارير النهائية لنتائج التحقيقات تذهب إلى أن سبب سقوط تلك الطائرات الروسية الصنع إنما يعود إلى «خلل فني». وهو أمر لفرط ما تكرر الاستناد إليه صار مثار سخرية لدى المواطنين الذين يدرك أغلبهم أن تكرار حوادث السقوط تلك إنما يعود إلى عدم توافر الصيانة الدورية لتلك الطائرات التي لم يُلتفت إلى حالة جهوزيتها لفترات طويلة.
وبحسب مصدر مطّلع فضّل عدم ذكر اسمه، فإن «قواعد جوية مثل «قاعدة الديلمي» الملاصقة لمطار صنعاء الدولي لم تعرف تطويراً في قدراتها منذ وقت طويل، وعلى وجه التحديد منذ عودة نجل الرئيس السابق أحمد علي عبدالله صالح من الخارج وبداية مشوار التوريث». وعمد علي عبدالله صالح إلى تطوير الجاهزية القتالية والجوية للمعسكرات التابعة لنجله واستثناء باقي المعسكرات، لاعتقاده بأن تطويرها يمثل تهديداً لقدرة الوريث القادم على التحكم في مسار الأمور في حالة حدوث شيء.
وقد كان هذا الأمر من الأسباب التي أدت إلى توتر العلاقة بين اللواء المنشق علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع وبين الرئيس السابق، حيث اكتشف اللواء الأحمر أن عملية التجهيز للوريث القادم تجري على قدم وساق، في حين لم يلحق أي تحديث في القوات الخاصة بالفرقة الأولى مدرع التابعة له وبالفرق العسكرية الأخرى التي لم يكن صالح يثق بولائها المطلق له.
لكن بعد تكرار حوادث سقوط الطائرات، علت المطالبات بضرورة التعامل مع هذا الملف بشكل أكثر جدية مما كان عليه في السابق، وخصوصاً أن الأمر قد وصل إلى مستوى السقوط فوق مبان سكنية وعلى رؤوس أصحابها. وارتفعت الأصوات المطالبة بإبعاد المطارات العسكرية عن المناطق المأهولة، وعدم إخفاء نتائج التحقيقات السابقة الخاصة بحوادث سقوط الطائرات، لأن لجان التحقيق التي تنشأ عقب سقوط كل طائرة لا تكشف عن شيء، ما أدى إلى بروز تكهنات بوجود أسباب غير فنية وراء السقوط المتكرر للطائرات.