سيطرت المناقشات القانونية بشأن التعديلات التي طلبتها المحكمة الدستورية على قانون انتخابات مجلس النواب على الأجواء المصرية، نظراً إلى تعلقه بأهم حدث سياسي في البلاد خلال الأشهر المقبلة، هو أول انتخابات برلمانية عقب إقرار أول دستور لمصر بعد الثورة.
وفيما ناقش أعضاء مجلس الشورى أمس التعديلات، يعقد المجلس اليوم جلسة طارئة لمناقشة التعديلات الأخيرة على القانون ليتماشى مع التعديلات المطلوبة من المحكمة التي منحت بموجب الدستور حق الرقابة السابقة.
وعلى الرغم من الاتجاه العام لإمرار التعديلات، في ظل حرص جماعة الإخوان المسلمين على إجراء الانتخابات في موعدها بعد قرابة شهرين، سيطرت حالة الجدل خلال المناقشة لأسباب متعددة.
المحكمة قضت ببطلان 10 مواد، أي قرابة 50 في المئة من المواد التي عدلها الشورى في قانون الانتخابات الأصلي والبالغة 22 مادة، ما فتح الحديث عن مدى كفاءة أعضاء الشورى للقيام بوضع مثل هذا القانون من جهة وموقف الدستورية من القانون والمجلس.
أما السبب الثاني للجدل فسببه إضافة المحكمة عدداً من التعديلات والملاحظات في حكمها، ما أثار حالة من الاستياء، نظراً إلى اعتبار المعترضين أن في الأمر تعدياً على السلطة التشريعية، وهو ما تصادم مع رؤية ممثلي حزب الحرية والعدالة الإخواني بالالتزام الكامل بما قالت به المحكمة.
فالمادة الخاصة بمنح الممنوعين من أداء الخدمة العسكرية الإلزامية لأسباب أمنية حق الترشح للانتخابات، رفضتها المحكمة، وهو ما استنكرته الجماعة الإسلامية بشدة وعدد من النواب السلفيين على استحياء، نظراً إلى أن هذا يعني منع آلاف من أبناء الجماعة والإسلاميين بصفة عامة من حق الترشح، نظراً إلى التعسف الذي كان يحصل ضدهم من قبل السلطات الأمنية وجهاز أمن الدولة. وفُسر قرار المحكمة بأنه انتقام من الإسلاميين الذين حاصروا خلال الفترة الماضية.
كذلك فجر قرار وجوب إعادة تقسيم الدوائر لمراعاة «التمثيل العادل للسكان» معركة حامية الوطيس داخل المجلس نظراً إلى غياب معايير محددة لهذا التقسيم. فالبعض يريده على أساس مساحة جغرافية، والآخر يريده على أساس تعداد سكاني، وثالث يرى أن يكون على أساس عدد من يحق لهم التصويت. وهو الجدل الذي امتد لنهاية يوم أمس، وخصوصاً بعد التعديل الذي تقدمت به الحكومة لإعادة ترسيم الدوائر الانتخابية.
أما المادة الخاصة بالعزل السياسي، فوفقاً للصحافي المتخصص في الشؤون الدستورية محمد بصل، فإنها فرّغت من مضمونها في القانون الذي أرسل للمحكمة بسبب خطأ في الصياغة، إذ إن الدستور نص على استبعاد أعضاء الحزب الوطني الذين كانوا أعضاءً في مجلس الشعب أو الشورى خلال دورتي 2005 أو 2010، لكن الخطأ اللغوي أدى إلى أن يبدو أن العزل سيطاول من اشترك في مجلس 2005 و 2010 معاً وليس في أي منهما، وهو ما ينطبق على عدد قليل جداً. ولفت بصل إلى أنه في ما يتعلق بمادة شروط إسقاط العضوية، فإن المحكمة أعادت النص الذي أقره الحوار الوطني ورفضه الإخوان حينها، إذ ذهبت المحكمة إلى تشديد القيد على النائب بحيث تسقط العضوية في جميع الحالات التي يغير فيها عضو مجلس النواب الصفة التي ترشح بها، سواء كانت صفة العامل أو الفلاح أو إذا غيّر انتماءه الحزبي أو تخلى عنه وأصبح مستقلاً، أو صار المستقل حزبياً.
أما المواد المتعلقة بانتخابات المصريين في الخارج، وتوسيع صفة العامل وطريقة كتابة صفة أعضاء القائمة المختلطة، فلم يتم بسببها جدل ملحوظ أو يُذكر وإن كان بعضها اتخذ كدليل على تدخل المحكمة في عمل السلطة التشريعية.
جدل اضافي شهدته المناقشات أمس تركز على وضع القانون عقب تعديله، ومدى إلزام المجلس بإعادته للدستورية لبتّه مرة أخرى، ولا سيما أن الدستور لم يأت على ذكر هذه النقطة. وفيما رأى البعض من أعضاء مجلس الشورى عدم وجوب ذلك، تحدث البعض الآخر عن أهمية ذلك حتى لا يكون هناك معركة حول أحقية المحكمة للرقابة اللاحقة.
وترافق سعي مجلس الشورى للانتهاء سريعاً من إقرار التعديلات على قانون الانتخابات مع بروز تساؤلات عن أسباب وضع الإسلاميين أنفسهم في هذا الحرج عند وضع الدستور بمنح الدستورية حق الرقابة السابقة للقوانين.
محمد حسين، المراقب في الشؤون السياسية والقانوينة، أوضح لـ«الأخبار» أن ما يحدث هو نتيجة خطأ متراكم، فالدستور وضع في أجواء سيطرت عليها الخصومة السياسية بأكثر من الحوار الهادئ. وهو ما لم يوفر أجواءً مناسبة للصياغة الفنية المنضبطة، لافتاً إلى أنّ الإسلاميين منحوا الدستورية حق الرقابة السابقة خوفاً مما جرى معهم عند حل مجلس الشعب. فبدوا كالذي «حضّر العفريت ولم يعرف كيف يصرفه»، إلا أنه رأى أن الدستورية أهدرت قاعدة من قواعد الاختصاص في القانون، هي الفصل بين السلطات حينما تدخلت في وضع التعديلات ولم تكتف بالحكم في مدى دستورية المواد.
بدوره، قسّم مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، خلف بيومي المواد التي ردت من المحكمة إلى الشورى إلى ثلاثة أنواع: الأول يتعلق بأوضاع سياسية واجتماعية نتيجة تراكمات سنوات سابقة كعدد الدوائر في كل محافظة وصفة العامل وضمانة عدم تكرار الأصوات. الثاني مواد فيها أخطاء من الشورى كمادة العزل السياسي والتصويت في الخارج. أما الفئة الثالثة فرأى أن المحكمة مارست تدخلاً فيها كمادة أداء الخدمة العسكرية، والباقي كان من الممكن لولا أن المحكمة أرادت «أن تمارس نوعاً من الأستاذية على أعضاء مجلس الشورى».
في سياق آخر، أعلنت رئاسة الجمهورية تعيين كل من الوزير مفوض عمر يوسف عامر والمستشار إيهاب فهمي، المنتميين إلى وزارة الخارجية، كمتحدثين باسم مؤسسة الرئاسة خلفاً لياسر علي.