رئيس مجلس الشعب السابق، فتحي سرور، رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف، رئيس ديوان رئيس الجمهورية في عهد مبارك، زكريا عزمي، أسامة الشيخ، رئيس الإذاعة والتلفزيون، مساعدو وزير الداخلية في قضية قتل المتظاهرين، أنس الفقي، فاروق حسني. جميع هؤلاء، إلى جانب الرئيس المخلوع حسني مبارك، كانوا ضمن أسماء الذين ثار المصريون عليهم وطالبوا بمعاقبتهم عن جرائم عددوها لهم في ميدان التحرير عندما كانوا يهتفون ضدهم أثناء الأيام الأولى للثورة.
وعندما أعلن القبض عليهم فرح الثوار. وتعززت الفرحة بعد أحكام القضاء التي وصلت الى السجن لمدة 150 عاماً موزعة على رموز النظام السابق في ما بينهم، الى جانب الغرامات التي تجاوزت الـ30 مليار جنيه.
لكن هذه الفرحة لم تستمر طويلاً. فبعد عامين من الثورة تبدلت الأحوال ليخرج معظم رجالات حسني مبارك من جديد إلى الحياة.
أما من بقي في السجن، وفي مقدمتهم رجل الاعمال أحمد عز أمين التنظيم السابق للحزب الوطني المنحل، رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف، وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، وزير السياحة الأسبق زهير جرانه، ووزير الإسكان الأسبق أحمد المغربي، فهؤلاء مسجونون في قضايا قرر القضاء إعادة محاكمتهم بها. وبالتالي يعتبر حبسهم حالياً احتياطياً وينتظرون الإفراج عنهم قريباً. ومن المؤكد أيضاً أن مبارك نفسه سيكون هو الآخر خارج قضبان السجن بعد شهر تقريباً، وبالتحديد في نيسان المقبل، إذ ينص الدستور الجديد على عدم جواز استمرار حبس أي متهم احتياطياً أكثر من 18 شهراً. وبعد قبول محكمة النقض، أعلى درجة قضائية في البلاد، استئناف مبارك الحكم الصادر ضده في قضية قتل المتظاهرين، يعد محبوساً احتياطياً وبالتالي سيخرج من جديد.
مهزلة الافراج عن رجالات حسني مبارك بلغت ذروتها الشهر الحالي، بعدما تم الإفراج عن 6 من كبار رموز النظام السابق وقبول طعن 5 آخرين على الأحكام الصادرة في حقهم، على رأسهم نظيف. وهو ما قابله كثير من الشباب والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بتعليق ساخر مفاده «الحرية للناشط السياسي محمد حسني مبارك». وأضافوا «ننعم بأزهى عصور الديموقراطية والحرية في ظل حكم الإخوان، فيقتل الثوار ويقبض على المتظاهرين ويفرج عن رجال النظام السابق».
نقمة النشطاء على الرئيس محمد مرسي لها ما يبررها. فالأخير برر تعيين النائب العام الحالي، طلعت عبد الله، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين في تشرين الثاني الماضي، بأحكام البراءات التي صدرت في قضايا قتل المتظاهرين لضباط الشرطة ورموز النظام السابق.
إلا أن مجيء عبد الله لم يمنع من استمرار أحكام البراءة. خلال أشهر عمله الأربعة في النيابة العامة، برأت محاكم الجنايات ضباط الشرطة من تهم قتل المتظاهرين في محافظات مثل بورسعيد وبني سويف، بل وتم قبول طعن مبارك والعادلي في قضية قتل المتظاهرين الرئيسية التي سبق أن قضت محكمة الجنايات فيها بمعاقبتهم بالسجن المؤبد «25 عاماً».
وحسب القاعدة القانونية المستقر عليها في الأوساط القضائية المصرية «لا يضار الطاعن بطعنه»، أي أن قبول الطعن معناه أن العقوبة ستخفف أو سيتم تثبيتها وهو الأمر النادر الحدوث. يبقى أن حكم القصاص الوحيد الذي يحتفي به النائب العام، قرار محكمة جنايات بورسعيد بإحالة أوراق 21 متهماً في قضية مجزرة إستاد بورسعيد إلى المفتي، في خطوة تسبق الحكم بإعدامهم، رغم أن تلك القضية لا تمت بصلة الى أحداث الثورة. النظام الإخواني يريد أن يلصق هذه الحادثة بقضايا قتل المتظاهرين وكأنه بهذا الحكم انتقم من قاتلي آلاف المصريين خلال الثورة. واكب تلك القرارات وربما المساومات ذات الطابع القضائي، تبرير النظام لضرورة التصالح مع رموز النظام السابق والإفراج عنهم والادعاء أن هذا الأمر سيساهم في إنعاش خزينة الدولة.
لكن عزمي أفرج عنه بعد التصالح في قضية هدايا صحيفتي «الأهرام» و«الأخبار» بدفع مليوني جنيه فقط، في حين سدد الشريف ألف جنيه ليتصالح في قضية هدايا «الأهرام». وهو التصالح نفسه الذي انسحب على سرور ومفيد شهاب وزير شؤون مجلسي الشعب والشورى الأسبق، وحاتم الجبلي وزير الصحة الأسبق، في حين لا تزال النيابة العامة تدرس التصالح مع صديق مبارك حسين سالم ومع نظيف وعز.
أستاذ الاقتصاد، مصطفى النشرتي، أوضح لـ«الأخبار» أن مصير الأموال التي سيتم تحصيلها من رموز النظام السابق مجهول، لافتاً إلى أن تلك الأموال مهما ساهمت في إنعاش خزينة الدولة، ستساهم في المقابل في فقدان المستثمرين للثقة في الاقتصاد المصري. ورأى أن التصالح مع الفاسدين لاسترداد الأموال سيؤدي إلى إشاعة الفساد وسوء استغلال النفوذ.
سلوك النظام أجج من الخصومة والقطيعة السياسية بينه وبين من قاموا بالثورة. شريف الروبي، المتحدث الرسمي باسم «حركة 6 أبريل ــ الجبهة الديموقراطية» رأى في حديث مع «الأخبار» أن «النظام الحالي هو صورة طبق الأصل من النظام السابق، الذي يتصالح الآن مع رموزه». ودلل الروبي على ذلك بمسلسل البراءات الى جانب انتهاج نفس سياسات مبارك في قمع المتظاهرين ومحاولة التخلص من المعارضة الموجودة بالشارع، عبر قتل العديد من النشطاء أو اعتقالهم».
بدوره، أكد المحامي خالد أبو بكر لـ«الأخبار» أن «التهم التي تم إسنادها إلى رموز النظام السابق من البداية قامت على أساس خاطئ»، وتحديداً في الإجراءات المتبعة. اذ انه في أي قضية يفترض أن تجمع الشرطة الأدلة وتقدمها للنيابة لتحقق فيها قبل أن تحيلها الأخيرة للمحكمة لتصدر حكمها، على عكس ما جرى مع رجال مبارك. وتساءل «هل كان من الممكن أن تقدِم الداخلية دليلاً يثبت إدانة أعضائها في تهم قتل المتظاهرين، وهل كان على رجال النظام السابق الذين تركهم المجلس العسكري في السلطة حتى رتبوا أوراقهم وأعدموا كل مستند يثبت إدانتهم، أن يتركوا وراءهم ما يمكّن القضاء من إصدار أحكام ضدهم؟». رؤية أبو بكر تتماشى مع قرارات محكمة الجنايات الأخيرة المرتبطة برجالات مبارك، ليعود المصريون بعد الأحكام الاخيرة الى نفس المربع الذين خرجوا منهم لدى ثورتهم. ويبقى الرهان الأكبر اليوم الى أي مدى ستستطيع الجماعة الحاكمة التحالف مع رجال مبارك في الأيام المقبلة.