بتنا نعرف كل أنواع العقاب المحتملة وغير المحتملة. نقف على قدم واحدة مجبرين. نصحو، فتعلو وجوهنا أسئلة ما لها من آخر، نلهيها بفنجان قهوة دون سكر. ذات مرة أخبرني صديق أن القهوة تشرب حلوة في الأحزان ومرة في الأفراح. نوع من التناقض ليتزن الكون! لكنني، وعلى الرغم من كل أسباب الحزن والوجع، لا أتخيل شرب القهوة حلوة. في مرارتها شيء يثير انتباهك ويجعلك مستعداً ليوم طويل.
أُراجع صوري بتسلسل زمني الى الوراء. هه! اجد أنها كانت تميل للأفضل. كنت أبتسم ابتسامة أصدق، كانت شهيتي للحياة بأحسن حالها. والآن لا تسألني كيف تغير كل شيء! الأخبار! الأخبار تغيرنا ولا تتغير، تضربنا في عمق الأرض أكثر وأكثر.
نحن جميعاً في انتظار غودو، بطل المصالحة الذي سيُضيء لنا بيوتنا ليلاً، ويفتح أبواب السفر في أسوأ حال. سيفتح بوابة معبر رفح، سيُخيط لنا حبل الوصل والمحبة مع المصريين ليرضوا عنا بسجل مسافرين في الأسبوع مرة. سيمنح الموظفين رواتبهم من دون تأجيل أو انتقاص، غودو الذي سيمسح تعب شرطي المرور براتب واجازة حلم بهما لسنوات!
غودو؟ مسكين غودو؟ سوف لن تنثني قدميه. سيشتغل ليل نهار. سيربط على قلبه ألف حجر ليحتمل مناكفات سياسيي بلادنا. سيبكي لعجزه عن جبر خاطر ابن شهيد، وبائع سجائر على الرصيف بعمر خمس سنين ينفخ في كفيه كل دقيقة ولا يشعر بالدفء أبداً. أي دفء وقد ذهب أهله كلهم إلى الله في الحرب الأخيرة؟
غودو سيذهب عقله مثلنا تماماً، وسينتظر اثنتي عشرة ساعة أو أكثر ليرى نور الكهرباء، ليقرأ أخبارنا ويحاول تحليلها، لينفطر قلبه أيضاً ويقرر عمل تمثال في منتصف البحر لغزة وأهلها بصورة سيزيف، "رجل تسقط عليه الجبال ويحاول النهوض!".
هذه البلاد المليئة بالجمال وأسبابه، تعيسة كأرملة نازحة فقدت زوجها تاركاً لها عشرين طفلاً لا تعرف ملامح مستقبلهم!
فلتأتِ يا غودو أو خلصنا من سجن انتظارك. لقد تعب التعب منا ومن كل الأخبار والوعود بمصالحة معلقة بين السماء والأرض، تماماً كحالنا!