فتحت الصحافة البريطانية قضية مثيرة للجدل تتعلق بفضيحة مالية مرتبطة بأمراء سعوديين، عبر طلب قضائي برفع السرّية عنها، وهو ما أقرّه القاضي، لكنه علّق تنفيذ القرار بانتظار قرار الاستئناف الذي قرر السعوديون اللجوء إليه، وهو ما يترك القضية تحت أعين الصحافة البريطانية التي تنتظر قرار الاستئناف لكشف أوراق القضية، علّها تعوّض بذلك فشلها في قضية اليمامة السابقة. صحيح أنها ليست المرة الأولى التي تُثار فيها صفقات مالية مشبوهة لأمراء سعوديين أمام المحاكم البريطانية، لكن اللافت في القضية الأخيرة، التي تتضمن تحويلات مالية الى بيروت ونيروبي تناهز 6.7 ملايين دولار، هو ما أدلى به محامو الدفاع من أنّ رفع السرّية قد يهدّد حياة الأمير عبدالعزيز بن مشعل وأحد شركائه للخطر، وربما للانتقام والقتل، كما أنه قد يعرض العلاقات البريطانية والسعودية للخطر، «وسوف يكون لها تأثير سلبي على ارتباطات السعودية بالولايات المتحدة»، وهو ما يطرح تساؤلات حول وجود مسائل تتجاوز التحويلات المالية في القضية.
من أثار القضية كان صحيفتا «ذا غارديان» و«فايننشل تايمز» البريطانيتين، اللتين تقدّمتا بطلب رفع السرّية عن أوراقها وكشف الجدول السرّي الذي يتضمن خمسة اتهامات ضدّ شركة «غلوبال تورش» المرتبطة بالأمير السعودي. والشركات المتورطة في القضية، إضافة الى «غلوبال تورش»، هي «أف آي كول» و«إيبكس». أما الأسماء فتتضمن الأمير مشعل، وزير الدفاع السابق ورئيس هيئة البيعة حالياً، ونجله عبدالعزيز، في مقابل رجل الأعمال الأردني فيصل المهيرات.
والأمير مشعل عجوز يتجاوز 86 عاماً، وهو منهك القوى وضعيف. لكنّ السعوديين يطلقون عليه لقب «أبو الشبوك»، لأنه يحب تجميع الأموال، ويقال إن ثروته تتجاوز تريليون و200 مليار ريال سعودي. ورغم كبر سنّه وخوار همته، لكن هناك من يرى فيه رجلاً مشاكساً، وله هيبته بين الأمراء. ورغم أنّ الملك عبدالله تجاوزه، كرئيس لهيئة البيعة، ثلاث مرّات في تعيين ولي العهد والنائب الثاني، لكن كان يعود ويسترضيه بالأموال، كما يروي العارفون.
وبالعودة الى القضية الحالية، فإنها اندلعت عند وقوع خلاف حاد مع رجل الأعمال الأردني فيصل المهيرات الذي كان شريكاً للسعوديين في شركة تدعى «أف آي كول». وفي تفاصيل إضافية توردها «فايننشل تايمز»، فإن شركة «غلوبال تورش»، المرتبطة بالأمير عبدالعزيز، رفعت دعوى في لندن عام 2011، تقول فيها إن شؤون «أف آي كول» تجري بطريقة تضرّ بمصالح «غلوبال تورش»، وطلبت بتّ بيع أسهمها في هذه الشركة الى إحدى الشركات المساهمة في الخارج «إيبكس» التي يملكها المهيرات.
واتهمت «غلوبال توش» المهيرات بالتزوير، فردّ الأخير بالادّعاء أنّ الأمير وأحد شركائه أصبحا معاديين له عندما لم يدفع لهما عائدات بيع أسهم في شركة «إيبكس» إلى شركة «أف آي كول»، وهو ما دفع الأمير عبدالعزيز الى تقديم شكوى أمام القضاء السعودي أدت الى «إصدار مذكرة توقيف ضد المهيرات، وتدخل الانتربول في السعودية والأردن».
تفاصيل القضية ومضمون الاتهامات لا تزال سرية. لكنّ السعوديين ينفونها بشدة، ويقولون إنها غير صحيحة وتعتبر فاحشة وفضائحية هدفها «الضغط على الشركاء في شركة «غلوبال تورش» عبر التخويف من العلنية» من أجل «تدمير السمعة والإحراج وإثارة القلق».
محامو «غلوبال تورش» يؤكدون أن جلسة المحاكمة يجب ألا تبث على الهواء، بما أن الاتهامات برمتها مفبركة. وقال أحدهم للقاضي إن «الكشف عن ادعاءات تحويلات بيروت سوف تعرض حياة الأمير عبدالعزيز وعماد عايشة، مدير شركة «أف آي كول» «للخطر، وربما للاعتداء عليهما أو قتلهما، عبر الانتقام منهما من قبل مواطنين سعوديين أو منظمات معينة».
وأضاف المحامي نفسه أن الأميرين يمكن أن يكونا مرتبطين بالمملكة السعودية، وبالتالي فإن فضح القضية قد يعرض العلاقات السعودية البريطانية للخطر. كما أن السعودية ستنظر الى بريطانيا بعين الشك، بما أنها سمحت لمحاكمها بتداول الاتهامات في العلن وجعل المحاكمة علنية.
المهيرات ينفي أي اتهامات ويقول إنه لم يسع وراء علنية التحقيق من أجل الضغط على «غلوبال بورش»، وقال محاميه، روبيرت هو، إنه مجرد شخص وجد نفسه في خلاف تجاري مع رجال أغنياء ونافذين.
في جميع الأحوال، فإن قرار الاستئناف، برفع السرّية أو إبقائها، سوف يكشف أكثر ملامح هذه القضية الغامضة ومدى تورط العنصرين المالي والسياسي فيها. وطبعاً سوف تتكفل الصحافة البريطانية بكشف هذه الملامح كما فعلت سابقاً في قضية اليمامة التي أنهتها التدخلات والتهديدات السعودية.
(الأخبار)