القاهرة | أصبح شوقي إبراهيم عبد الكريم أول مفتٍ منتخب للديار المصرية بعد التعديلات التي أدخلت على قانون الأزهر في أعقاب الثورة، واختير بموجبها أمس ليخلف علي جمعة ابتداءً من الشهر المقبل. لكن كونه ليس نجماً بازغاً في سماء الفضائيات الدينية التي توظف الدين لأغراض السياسة، لم يتبادر الكثير إلى أذهان المصريين بعد إعلان اسم مفتيهم الجديد. ما وصلهم من طريق وسائل الإعلام عن عبد الكريم، الذي اختير على رأس المؤسسة الرسمية المعنية بتقديم الفتاوى الدينية للمصريين، أنه أحد أساتذة جامعة الأزهر. حتى إن البيان الذي أصدرته مشيخة الأزهر على لسان محمد جماعة، رئيس العلاقات العامة فيها، لم يذكر عن الشيخ سوى أنه يرأس قسم الفقه في كلية الشريعة والقانون في فرع جامعة الأزهر في مدينة طنطا بدلتا مصر. المفتي الجديد استقبل خبر حصوله على أعلى نسبة تصويت من أعضاء هيئة كبار العلماء في الأزهر خلال وجوده في محل إقامته في محافظة البحيرة، وقال: «شرف لي أن تختارني هيئة كبار العلماء، وهذه ثقة كبيرة أدعو الله أن أكون على قدرها». وأضاف: «لا أزال رئيس قسم في الكلية لحين صدور القرار الجمهوري». ووفقاً للدستور الجديد من المنتظر عرض اسم عبد الكريم على الرئيس محمد مرسي ليصدِّق على تعيينه بعدما كان شيخ الأزهر والمفتي قبل الثورة يُعَيَّنان بقرار مباشر من رئيس الجمهورية. كذلك حرص على عدم الخوض في السياسية «لأنه رجل دين، والمنصب الذي ترشح له منصب ديني وليس سياسياً»، من دون أن يمنعه ذلك من تأكيد إدراكه للارتباك السياسي الذي تمرّ به مصر.
المقربون من مفتي الديار المصرية يؤكدون عدم تحيزه لأي فصيل سياسي، وهو ما يثير كثيراً من الشكوك. فجماعة الإخوان المسلمين كانت قد دفعت بمفتيها الخاص الدكتور عبد الرحمن البر لشغل المنصب، وهو الاختيار الذي لقي حسب مصادر معارضة من شيخ الأزهر.
وكشفت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي من أبرز المصوتين لعبد الكريم بعدما انحصرت المنافسة بين الأخير وكل من فرحات عبد العاطي سعد، أستاذ الفقه في كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر، وعطية فياض أستاذ الفقه المقارن في الجامعة نفسها نتيجة استبعاد البر و13 اسماً آخر.
تأييد القرضاوي لعبد الكريم يثير تساؤلات عمّا إذا كان المفتي الجديد ضمن الخلايا النائمة في الإخوان المسلمين غير المعلن عن انتمائها صراحةً، أو أنه مستقل سياسياً بالفعل. وفيما رأى القرضاوي أن اختيار هيئة كبار العلماء للمفتي الجديد «فتح جديد لنظام ينبغي أن تعتمده كل المؤسسات الدينية، وهو عملية ديموقراطية تحدث لأول مرة»، حرص وزير الأوقاف السابق، عضو هيئة كبار العلماء، عبد الله الحسيني هلال، على التأكيد أنه لم تُراعَ أي دوافع سياسية في اختيار المفتي الجديد.
ولن يطول الأمر أمام اكتشاف طبيعة العلاقة بين المفتي التاسع عشر في تاريخ دار الإفتاء المصرية وجماعة الإخوان المسلمين الحاكمة، وخصوصاً أن الأسابيع الماضية كانت شاهدة على بعض هذه الخلافات بين الأزهر والجماعة على خلفية مشروع الصكوك الإسلامية.
وللمفتي سلطة إصدار الفتاوى في أي مسألة، ما يؤثر على القضايا الاجتماعية والثقافية وما يتعلق بالسلوك العام والأحكام القضائية، ما يجعله المخول الأكبر للوقوف في وجه أي محاولات لهيمنة تيار ديني على البلاد. يذكر أن المفتي الجديد من مواليد 1961، وحصل على الدكتوراه في «إيقاف سير الدعوى الجنائية وإنهائها بدون حكم في الفقه الإسلامي»، وهو الآن معار كرئيس قسم الفقه في كلية العلوم الشرعية في سلطنة عمان، فيما تدور مؤلفاته حول أمور الأحوال الشخصية، ولا سيما الأمور المتعلقة بالمرأة.