بعد عامين من رحيل النظام السابق، بات المصريون متفرقين، وغابت الفرحة والاحتفال عن مشهد الشارع المصري، وحل محلها انقسام شديد عكسته التظاهرات التي خرج فيها بضعة آلاف على مستوى الجمهورية للاحتجاج على النظام الحالي. بالمقابل، اعتبرهم آخرون يعطلون حياة المصريين وحراكهم دون جدوى. هذا فضلاً عن ارتفاع حدة الاستقطاب على خلفيات أيديولوجية وسياسية، واستنكار وحيرة من المواطنين العاديين غير المسيسين الممثلين الشريحة الغالبة من المصريين. وبات رأس النظام الجديد يمرّ بحالة من الارتباك، وأصبح من المرجح تقديمه تنازلات حقيقية لاحتواء الأزمات المتلاحقة، بينما بدأت رؤوس المعارضة في مأزق آخر كشفه غيابهم عن بيان جبهة الإنقاذ، الذي تولى الشباب إلقاءه تحت عنوان «بيان شباب جبهة الإنقاذ». في وقت، خفّت فيه حدّة العنف عن الشارع المصري، بعدما خسرت المعارضة، ومعها العديد من الشباب، من رصيدهم لعدم انتباههم لاندساس عناصر مخرّبة جرتهم لمواجهة لم يكن يريدونها. ومرت الذكرى الثانية لتنحي حسني مبارك بقدر قليل من العنف ومواجهات أخف حدّة، حول محيط القصر الرئاسي، في ظل هدوء حذر من الشرطة.
ويبدو أنّ استمرار التوتر في المشهد السياسي قد وضع السلطة السياسية في مأزق حقيقي، وهو ما انعكس في حجم التنازلات الممكن تقديمها من السلطة. وباتت تلوح في الأفق ممثلة في بداية تشكيل حكومة جديدة بداية من يوم غد الأربعاء، وفق ما كشف المتحدث الرسمي لحزب النور، نادر بكار، في تصريحات إعلامية له أشار فيها إلى أنّ تغيير الحكومة الحالية بات وشيكاً بنسبة 80%، وهو المطلب الذي كان من المحظورات لدى جماعة «الإخوان» في تصريحاتهم الأسابيع الماضية.
من جهته، كشف مستشار الرئيس السابق، أيمن الصياد، خلال ندوة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، عن وجود تسريبات تتحدث عن احتمال قبول الإخوان بحلّ مجلس الشورى كوسيلة لتهدئة الشارع، معتبراً أنّ أهداف الإخوان لم تكن نفس أهداف من خرجوا يوم 25 كانون الثاني عام 2011، ملخصاً إياها في هدف قريب، هو الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، وهدف بعيد هو السعي «للأممية»، وهو ما أدى إلى وقوع الإخوان في «خطأ تحديد أطراف الصراع»، ذاهباً إلى أن منشأ الأزمة الحالية هو اختلاف التصورات لدى جميع الأطراف عما جرى من عامين. ورجّح أن ينجح النظام القديم في إعادة إنتاج نفسه بعد حالة الاستقطاب الممنهجة التي سيطرت على المشهد المصري برمته اجتماعياً وسياسياً.
ومما أظهرته الذكرى الثانية لتنحي مبارك، هو انتباه النظام إلى التعلم من تجربة تونس حتى لا تسير مصر على خطاها، فأمر النائب العام طلعت إبراهيم عبد الله بضبط الشيخ محمود شعبان على خلفية اتهامه بإصدار فتوى على قناة «الحافظ» الدينية، قيل إنّها أباحت قتل أعضاء جبهة الإنقاذ، وهو ما تزامن مع مقتل الناشط التونسي المعارض شكري بلعيد.
من جهتهم، رفض شباب جبهة الإنقاذ دعوات الحوار التي أطلقتها مؤسسة الرئاسة، معتبرين، خلال مؤتمرهم مساء أمس، أنّه «لا حوار في وجود دم»، فضلاً عن عدم وجود ضمانات لتنفيذ نتائج الحوار، إضافة إلى أنّ سقف المطالب بات مرتفعاً بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد الأسابيع الماضية، واصفين النظام الحالي بأنّه «استبدادي وفاقد للشرعية».
وكشف الشباب عن آليات تصعيد جديدة، سيتبنونها في الأيام المقبلة ممثلة في التواصل المباشر مع الفلاحين والعمال وأهالي العشوائيات كمنطقة الدويقة، والاحتكاك أكثر بالفئات المهمشة والبسيطة، فيما يبدو أنهم يرغبون في دخول معركة على كسب الشارع المصري الحقيقي مع التيار الإسلامي وأصحاب الفكر الإصلاحي في الفترة المقبلة، ما يعني دخول البلاد في بداية العام الثالث للثورة على معركة في الشارع قوامها الإسلاميون والشباب وأنصار النظام القديم، فإلى أين سيُقاد الصراع؟ وكيف سيكون شكل العام الثالث؟ تبدأ الإجابة من اليوم.