تونس | أعلن عدد من المحامين التونسيين أول الأسبوع أنهم سيقاضون الداعية الكويتي نبيل العوضي، وكل من سيكشف عنه البحث، في دعوته الى تونس، وخصوصاً مدير الديوان الرئاسي عماد الدائمي، الذي استقبله في القاعة الشرفية لمطار تونس قرطاج، ما منح هذه الزيارة طابعاً رسمياً. ورافقت الدراجات النارية التابعة لجهاز الأمن السيارة الفارهة للداعية الكويتي، الذي يتبنى الفكر الوهابي المتشدّد، وهو ما أثار غضباً عارماً في الشارع السياسي التونسي. ما حدث في تونس هو حلقة جديدة من الهجمة الخليجية عليها. إذ بدأت الجمعيات الدينية منذ صعود حركة «النهضة» الى الحكم، بدعوة الدعاة من التيار الوهابي لزيارة البلاد. وقد جاءت دعوة الداعية نبيل العوضي في هذا الإطار، لتثير من جديد غضب الحقوقيين، الذين يعتبرون مشروع العوضي لتحجيب الفتيات فضيحة حقيقية بالنسبة إلى دولة رفعت شعار التنوير قبل أكثر من نصف قرن، ونجحت في منع تعدّد الزوجات وبناء نموذج حديث للأسرة وإصدار مجلة لحماية الطفولة، ويجدون في زيارة العوضي اعتداء صارخاً على حقوق الاطفال، لذلك توعّدوا بمقاضاته.
وفور وصوله، واجه العوضي هجوماً شرساً من قبل الحقوقيين والأحزاب وقوى المجتمع المدني، الذين عدوا دعوته جزءاً من مشروع حركة «النهضة» لتغيير المجتمع التونسي عبر استهداف الأطفال، كما بادر حوالى ٨٠ عضواً في المجلس الوطني التأسيسي بإصدار عريضة لمقاضاته، من جملة ٩٠ عضواً تقريباً حضروا جلسة الأربعاء الماضي. أما الكتلة الوحيدة، التي رفضت توقيع العريضة فهي كتلة «النهضة»، ما يؤكّد حسب معارضي الحكومة الصلة الوثيقة بين «النهضة» والتيار السلفي، الذي يستهدف المنجز الحداثي لتونس ومن أهم ركائزه مجلة حقوق الطفل.
ومن سوء حظ «النهضة» الحاكمة وحلفائها أن هذه الزيارة تزامنت مع مناقشة الفصل الخاص من قانون إحداث «المجلس الإسلامي الأعلى»؛ ففي الوقت الذي رفضت فيه كل الكتل إدراج هذا المجلس ضمن الهيئات الدستورية على اعتباره يتعارض مع مدنية الدولة ويؤسس لدولة ثيوقراطية، تمسكت «النهضة» بهذه المؤسسة، التي تريد إدراجها في الدستور. وأقام عدد من نواب «النهضة» حججهم الدفاعية على أن مؤسسة «المجلس الإسلامي الأعلى» من شأنها أن تضمن حقوق وحريات العلمانيين، وأن تقطع الطريق على غلاة الوهابيين الذين تعاظم نفوذهم في الشارع التونسي.
هذه الحجة التي يرفعها نواب «النهضة»، أصحاب المشروع، رفضتها القوى الديموقراطية، على اعتبار أن وجود مجلس إسلامي أعلى يتعارض مع خطة مفتي الديار التونسية، التي وجدت قبل قرون، وكذلك وزارة الشؤون الدينية، وفيما رفضت معظم الكتل النيابية في المجلس التأسيسي هذا المشروع، جاء الرفض الاكبر من حليفي «النهضة» حزبي «التكتل من أجل العمل والحريات» و«المؤتمر من أجل الجمهورية»، وهو ما يحمل دلالات سياسية. فقد أكدت النائبة عن حزب المؤتمر، سامية عبو، أن مسودة الدستور الثانية ليست أكثر من تأسيس دولة دينية ثيوقراطية بلباس ديني، وأعلنت رفض حزبها لهذه المسودة، التي لا تستجيب بالمرّة لتطلعات الشعب التونسي، الذي خاض ثورة من أجل الحرية والكرامة والعمل والديموقراطية.
محاولات تطويع المجتمع التونسي للنموذج الوهابي لا تقتصر على هذا، اذ جرى أمس، في ضاحية المروج القريبة من العاصمة، نصب خيام أمام معهد ثانوي، ودعوة التلاميذ الصغار إلى الالتحاق بالمذهب السلفي عبر دعاة رفعوا مضخمات صوت. وقد أثارت هذه الحادثة استياء التونسيين وسط غياب تام للأمن، كما رفع سلفيون أعلاماً سوداء بدلاً من العلم الوطني في المعهد الثانوي سليمان بن سليمان وفي مدينة الرقاب (محافظة سيدي بوزيد). غصة يعيشها التونسيون، الذين يتساءلون أين هي تونس أمام هذه الهجمة الوهابية البغيضة التي تستهدف روحها النيرة؟