أكثر من 55 دولة سجلت اسمها لتقديم أسئلة وتوصيات إلى الحكومة الإسرائيلية أثناء المراجعة الدورية الشاملة لسجل إسرائيل في حقوق الإنسان، والتي كانت مقررة أول من أمس في المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف. لكن إسرائيل قاطعت الجلسة في سابقة في تاريخ مجلس حقوق الإنسان الذي قرر تأجيل المناقشات إلى الدورة الـ17 للمراجعة الدورية الشاملة التي ستعقد في 21 تشرين الأول المقبل.
وبعد ساعات من المناقشات، تبنّت الدول السبع والأربعون في المجلس وثيقة تطلب من رئيس المجلس البولندي، ريميجيوس هنغل، اتخاذ كافة «التدابير اللازمة لتشجيع البلد المعني على التعاون من جديد». كما وافقت الدول على مقترح هنغل بتأجيل الجلسة إلى تشرين الأول على أبعد تقدير. وأعلن هنغل لدى افتتاح الجلسة أنه لاحظ تغيّب الوفد الإسرائيلي، ثم علّق الجلسة لكي يتسنّى لأعضاء المجلس تقييم الوضع.
وإسرائيل ليست من الدول السبع والأربعين الأعضاء في المجلس، ولكنها ملزمة مثل كل أعضاء الأمم المتحدة بالخضوع للمراجعة الدورية الشاملة التي تم اعتمادها قبل خمس سنوات. وهي المرة الأولى منذ بدء المراجعة الدولية عام 2007 التي تتغيب فيها دولة تخضع للتقييم.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، يغال بالمور، أن إسرائيل ستقاطع الجلسة، مضيفاً «قطعنا كافة الروابط مع مجلس (حقوق الإنسان) في أيار الماضي، بما فيه الانشطة الحالية». وأبلغت بعثة إسرائيل في 10 من الشهر الجاري عبر الهاتف رئيس المجلس رغبتها في إرجاء الجلسة.
وكانت المندوبة الاميركية في مجلس حقوق الانسان في جنيف، السفيرة ايلين تشامبرلين دوناهو، قالت الاسبوع الماضي إن من مصلحة إسرائيل القدوم إلى المراجعة الدولية الشاملة لسجلها الحقوقي، كما هو مطلوب من كل أعضاء الامم المتحدة. وأضافت «شجعنا الإسرائيليين على القدوم إلى المجلس ليقدموا روايتهم عن وضع حقوق الانسان الخاص بهم».
وفي ١٤ أيار ٢٠١٢، أبلغت إسرائيل رئيس مجلس حقوق الإنسان أنها قررت قطع علاقتها مع المجلس التابع للأمم المتحدة بعد إعلان المجلس اعتزامه التحقيق في المستوطنات الإسرائيلية ومدى انتهاكها لحقوق الفلسطينيين. ومن المقرر أن تقدم لجنة تقصّي حقائق مستقلة نتائج تحقيقاتها حول هذا الموضوع في الدورة الـ22 لمجلس حقوق الانسان التي ستبدأ أعمالها في 22 شباط المقبل.
وتعترض إسرائيل على التحقيق الجاري بشأن الاستيطان في الأراضي المحتلة، وعلى أنها البلد الوحيد الذي يدرج اسمه باستمرار على جدول أعمال الجلسات السنوية لمجلس حقوق الإنسان.
وحذر ائتلاف من منظمات غير حكومية، في بيان مشترك، من «العواقب البعيدة المدى» لتغيّب إسرائيل عن الجلسة. وأضاف البيان «نقص الشفافية هذا لا يعني أن إسرائيل تتجاهل الانتقادات الصارمة لانتهاكاتها للقانون الدولي فحسب، بل يعني أن كل نظام المراجعة الشاملة سيتقوّض بسبب خسارة اثنين من مبادئه الرئيسية: المساواة والعالمية».
من جهته، قال ممثل منظمة العفو الدولية لدى الأمم المتحدة في جنيف، بيتر سبلينتر، «لأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة المتمردة بين 193 دولة، فغيابها المتعمّد من شأنه أن يخرب مبدأ العالمية». وقال مندوب دولة الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف، السفير ضرار رزوقي، «سنطالب بخطوات أخرى إذا لم تنصع إسرائيل وتلتزم بتقديم تقريرها الدوري مثل بقية دول العالم، وذلك حرصاً على مصداقية عمل المجلس واحتراماً لآليات متابعة حالة حقوق الإنسان».
وتمر المراجعة الدورية الشاملة بعدة مراحل: أولاها التوثيق. حيث يُعتمد رسمياً على المعلومات المقدمة كتابياً إلى الأمم المتحدة من ثلاثة مصادر: التقرير الحكومي، تقرير منظمات الأمم المتحدة المعنية وتقرير المنظمات غير الحكومية. وغاب عن الموقع الرسمي للمفوضية العليا لحقوق الانسان التقرير الحكومي الإسرائيلي الذي كان من المفترض أن يُعلن قبل أسبوع من انعقاد الجلسة. في المقابل تضمن تقريرا الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية رزمة واسعة من الانتقادات والتوصيات، من دون أن يخلوا من حشو تقارير عدد من المنظمات الموالية لإسرائيل، والتي تعمل بتمويل من الجاليات اليهودية حول العالم.
ويوصي تقرير الأمم المتحدة إسرائيل بتعديل قوانينها الأساسية وغيرها من التشريعات بحيث تشمل مبدأ عدم التمييز، في حين لاحظ تقرير المنظمات غير الحكومية أن المحكمة العليا الإسرائيلية قد أبقت في أيار ٢٠١٢ على حالة الطوارئ، ودعا إلى إنهائها. ولاحظت لجنة الحقوقيين الدولية أن إسرائيل لم توجه دعوة دائمة لآليات الإجراءات الخاصة، وأن لدى إسرائيل خمسة طلبات معلقة قدّمت إليها من أجل زيارة البلد. ولاحظ مركز المساواة أن إسرائيل تُحابي مواطنيها اليهود على حساب مواطنيها من غير اليهود، وذلك من خلال سياسات الدولة وتدابيرها التشريعية وأحكام محاكمها وعمل مؤسساتها الرسمية، ودعا المركز إسرائيل إلى تعديل قوانينها الأساسية وتشريعاتها بحيث تتضمن مبدأ عدم التمييز. وأعربت منظمة العفو الدولية عن قلقها لاستمرار ممارسة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة أثناء إلقاء القبض على الأشخاص واستجواﺑﻬم، بمن فيهم الأطفال .
وأثار اﻟﻤﺠلس الفلسطيني لمنظمات حقوق الإنسان قضية التدابير العقابية القاسية المستمرة التي تُفرَض على السجناء الفلسطينيين، والتي أدّت إلى إصابتهم بكرب نفسي شديد، ما دفعهم إلى المشاركة في إضرابات جماعية عن الطعام في العامين الماضيين.
وكانت إسرائيل قد خضعت لجولة أولى من المراجعة الدورية الشاملة في عام 2008 لكنها لم تلتزم إلا بعدد قليل من التوصيات التي قدّمت إليها.