برلين | تماماً كقصة إبريق الزيت اللبنانية أو قصة الفتاة الصغيرة التي تسحب أوراق زهرتها الواحدة تلو الأخرى «يأتي... لا يأتي». وتكرّ الأسئلة على المركز الإعلامي في برلين من جميع الاتجاهات... صحافيون لديهم ارتباطات وبرفقتهم ماكينة عمل بشرية وآلية تتحرك على الأرض... وهناك عاصمة كبيرة بحاجة إلى زينة وأعلام وربما تلاميذ... «الريّس يحبّ الناس، عايزين حشد»، تجيب مصادر السفارة المصرية. ويبقى الأهمّ، هناك جالية مصرية وعربية، وخاصة من الرعايا الأقباط المصريين، ومنظمات يسارية ألمانية وجمعيات للدفاع عن حقوق الناس، كانت تُعدّ صفوفها للتظاهر والاستنكار تضامناً مع «الشعب المصري». إلا أن اضطراب مواعيد الزيارة وتغيير برنامجها عدة مرات أدّيا إلى الاكتفاء بالتظاهر في مدن ألمانية عديدة، بينما أُعطيت رخص رسمية في المحيط الحكومي وسط برلين إلى أربع تظاهرات رسمية.
في غضون ذلك، طالب العديد من قادة الفكر والسياسة والإعلام في ألمانيا المستشارة أنجيلا ميركل بالاستفادة من فرصة لقائها ضيفها للحديث إليه بصراحة وبوضوح عن حالات القمع التي تُمارس ضد المتظاهرين، «لأن ممارسة القمع ضدّ الحريات لم يتمكن من تنفيذها قبله حسني مبارك»، حسبما قال رئيس كتلة حزب الخضر يورغن تريتين.
وكان البروتوكول الرسمي للزيارة يقضي أن يصل الرئيس المصري وبصحبته عدد من الوزراء، ونحو مئة شخصية مصرية (رجال أعمال)، مساء الأربعاء إلى فندق وسط العاصمة، ثم يلتقي اليوم الخميس المستشارة وعدداً من رجال الأعمال والمستثمرين العرب والألمان (نحو ثلاثمئة شخص) قبل أن يتوجّه إلى العاصمة الفرنسية باريس. إلا أن متاعب الأحداث في مصر دفعت مرسي إلى تعديل برنامج زيارته وحصرها بساعات خاطفة يوم أمس إلى برلين للقاء المستشارة وبعض الوزراء الألمان، ورجال الأعمال «المختلطين» وتأجيل زيارة باريس إلى موعد آخر.
وبرزت متاعب لدى الإدارة الألمانية، بسبب ما واجهته من عناوين صحافية على شاكلة «تحالف ألمانيا والإخوان المسلمين»، أو «ألمانيا ليست مغارة علي بابا».
إلى ذلك، طالب وزير الخارجية غيدو فيسترفيللي، قبل ساعات من دخول مرسي إلى مقرّ المستشارية الألمانية، بمساعدة مصر وعدم تركها في عزلة، على اعتبار أن التحوّل الديموقراطي بعد أعوام الديكتاتورية الطويلة التي عرفتها يتطلب المزيد من الوقت، ووجه دعوة إلى الرئيس المصري الجديد «لاحترام مبادئ وقواعد العمل الديموقراطي»، مضيفاً «في مطلق الأحوال، يجب مساعدة مصر... لن تنجح التحولات في المنطقة إلا إذا نجحت في مصر».
وتفيد مصادر الخارجية الألمانية أن جدول زيارة مرسي لألمانيا بدأ إعداده منذ اليوم الأول لتسلّمه زمام الأمور في مصر، وقد رأت فيه «الرجل المناسب» لأسباب سياسية واقتصادية، أهمها التزامه التام بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية والمساعدة على ضبط الأمن في قطاع غزة. وربما البحث سريعاً معه في إمكانية تراجع الإخوان المسلمين عن إنكارهم للمحرقة النازية ضدّ اليهود (الهولوكوست) وسواها من ترتيبات منشّطة للسلام بين مصر إسرائيل.
وبحسب بعض المصادر، فإن زيارة مرسي لبرلين كانت تمتلك جميع «مقومات التأجيل»، لولا وجود ترتيبات مسبقة مع رجال الأعمال الألمان والمصريين، بينها التوقيع على اتفاقية لتأسيس اللجنة الاقتصادية المصرية الألمانية المشتركة التي ستعود بدفع وتنمية مختلف جوانب العلاقات الاقتصادية بين البلدين، كما التوقيع على مذكرة تفاهم مع مؤسسة «ديزرتك» بهدف ربط مصر وشمال أفريقيا بالطاقة الشمسية. في هذا الوقت، وضمن سلسلة اللقاءات الثنائية، تم الاتفاق بين وزير التنمية الألماني ديرك نيبل ووزير التعاون والتنمية المصري أشرف العربي على تقديم ألمانيا إلى مصر مساعدة أولية مقدارها حوالى خمسمئة مليون دولار (354 مليون يورو) وذلك لصرفها في مجالات خدمات مياه الشرب والصرف الصحي والري والكهرباء والطاقة وإدارة المخلفات الصلبة والتعليم والتدريب والتشغيل والتنمية المستدامة.
في الظاهر تبدو الزيارة المصرية لأوروبا تبادل مصالح، وفي العمق هي البحث المصري عن المال: في الجانب المصري يسمّونها «زيارة عمل»، وفي الجانب الألماني «هي زيارة إنعاش للسلطة المصرية الجديدة من قبل ألمانيا كي تلعب دورها في عملية السلام في الشرق الأوسط».