■ تتحدث المعارضة دائماً بثقة عن تحريك الشارع لقيادة التغيير، ولكن المواطن فقد الثقة بقدرتها على ذلك؟هناك أسباب كثيرة أدت الى فقدان الثقة بنا، فنحن لا نزال غير مقنعين بالنسبة إلى الشعب السوداني.

■ هل هذا إقرار منكم بفشلكم في إقناع الشارع العام؟
نعم، أنا مقتنع بذلك ولا أهاب الحديث عنه. والسبب في ذلك هو أن تاريخ أحزابنا لم يكن مقنعاً في الفترات التي تولت فيها الحكم. ولم تكن تجارب الحكم الحزبية جميعها ناجحة ومبهرة بالصورة التي تجعل المواطنين متمسكين بهذه الأحزاب.

كما أن الحياة الداخلية للأحزاب ليست ديموقراطية بالكيفية التي تجعل قواعدها متماسكة مع القيادة، بالإضافة إلى أن السودان لم يمر عليه نظام قاهر مثل النظام الحالي الذي يمتلك الكثير من أدوات القمع التي تصل الى الضرب بالرصاص الحي.

كما أنهم يمتلكون ميليشيات متعددة متخصصة في قمع الشعب، ما أدى الى تهيّب العمل السياسي الذي يؤدي الى الموت لدى رجل الشارع البسيط. ومن الأسباب أيضاً حلّ النظام للنقابات التي كانت تنظم الإضرابات والاعتصامات، فأصبحنا نعتمد بنسبة 85 في المئة من الفعل السياسي على الأحزاب فقط، ومعروف أن فعالية الأحزاب في التغيير تكون بطيئة. كل ذلك أدى الى ضعف التجاوب مع نداءاتنا في إسقاط الحكومة والانتفاضة عليها. لكن أنا أؤكد لك أن التغيير آت آت.

■ كيف ذلك، وحتى التظاهرات التي تنطلق بين حين وآخر سرعان ما تخبو؟
المواطن يخشى على لقمة عيشه، لذا لا يخرج إلى الشارع ولا يكون فعالاً في التظاهرات، أنا اعتقد أن الحكومة حان أجلها، وما الهلع والخوف من وثيقة الفجر الجديد (الموقعة بين الأحزاب السودانية المعارضة وحركات متمردة في دارفور وجنوب كردفان) إلا دليل على دنوّ أجل قادة نظام الإنقاذ وخشيتهم من أن يتم ذلك عبر توحد قوى المعارضة في الداخل والخارج.

■ ما الذي قدمته المعارضة طوال السنوات الماضية لحل أزمات البلاد، باستثناء الاجتماعات والبيانات؟
البلاد بالفعل تمر بأزمات حقيقية لم يسبق أن مرت بمثلها، والمواطن لم يقاسِ مثل ما يقاسي الآن، يكفي أن خط الفقر شمل 97 في المئة من أهالي السودان، التضخم وصل إلى مداه وتراجع الجنيه أمام الدولار بصورة مريعة. وهناك انفلات أمني في معظم أرجاء البلاد. النظام دمر كل المشاريع الكبرى كمشروع الجزيرة، ويتبارى قادته على نهب ما تبقى لإحساسهم باقتراب نهايتهم.
لكن المعارضة ليس لديها ما تقدمه. فنحن محاصرون. الأحزاب تم حلها وكذا النقابات العمالية، نحن الآن نفتقر إلى آليات التنظيم القديمة، تم تشريد المئات من قيادات المعارضة وإحالتهم الى الصالح العام واعتقل معظمهم، وتمت ملاحقة البعض وتشريدهم الى خارج البلاد.

■ بعض أحزاب المعارضة تشارك بشكل أو بآخر في الحكومة، كيف تثقون بعملها وسطكم؟ حزب الأمة مثلاً؟
أنا أؤكد أن حزب الأمة (بزعامة الإمام الصادق المهدي) معنا، لكن ربما ظروفهم الداخلية ومسؤولياتهم في الحزب تفرض عليهم معادلات معينة، قد أستطيع تفهمها، لكنها على أي حال تضرّ بقوى المعارضة. ثم يجب ألا نتوقع أن تتحدث كل قيادات المعارضة بلغة واحدة، فلكل شخص الطريقة التي يعبر بها مع الحفاظ على الهدف الأساسي وهو إسقاط النظام.

■ وكيف تأمنون مشاركة حزب المؤتمر الشعبي (بزعامة حسن الترابي) ضمن قوى الإجماع الوطني، وهو كان جزءاً من الحكومة؟
أنا شخصياً لا أؤمّن لهم، وتنكّرهم الأخير لوثيقة كمبالا أرجع الى ذهني فكرة انقلابهم الأول مع البشير.

■ بماذا تفسر الهجمة الشرسة التي قابل بها النظام الحاكم الموقّعين على ميثاق كمبالا؟
الحكومة الحالية حكومة «طلبة»، وهي تدار بهذه العقلية حيث كان من الأولى برجل مثل مساعد الرئيس نافع علي نافع إذا كان رجل دولة بحق، وإذا كان يتحلى بالمسؤولية في مثل هذه الضغوط التي تتعرض لها حكومتة الآن، كان الأولى به أن يبحث عن كسب ود المعارضة وتهدئة الأمور سعياً إلى الاستقرار وتجنب الصدام بيننا، لأن البلد فيه من الأزمات ما يكفيه، بدل أن يخوض معارك جانبية مع المعارضة.

■ تضاربت الأقوال داخل قوى المعارضة حول مصير الوثيقة ما بين القبول والرفض والتنصل. ما هي حقيقة الموقف الآن؟
الوثيقة أُخضعت لنقاش مستفيض لحصر النقاط الخلافية فيها وعمل منهجي للتعامل مع القضية ككل. نحن لسنا رافضين ولا متنصلين من الوثيقة. وعلاقتنا مع الجبهة الثورية والحاملين للسلاح علاقة استراتيجية من أجل إنقاذ ما تبقى من السودان، إذ ظهرت داخل تلك القوى أصوات تنادي بانفصال دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، لذا فإن تلاقينا معهم سيُبقي على السودان موحداً.

■ لكن قادة الأحزاب سارعوا الى التنصل من الوثيقة والتبرؤ من ممثليهم الذين وقّعوا عليها؟
حدثت بلبلة كبيرة في إعلان مشروع ميثاق الفجر الجديد، وأنا لا ألقي باللائمة على أحزابنا لأنهم طلبوا من ممثليهم الذهاب إلى كمبالا للجلوس مع قيادات الجبهة الثورية وعمل مقاربة بين وثائقنا ووثائقهم والخروج بمشروع وثيقة واحدة تعرض على الشعب السوداني وتحالف الإجماع الوطني بصورة علنية، وبعدها يلتقي الجميع في قمة لإجازة المشروع الذي سيصبح أساساً لوحدة المعارضة. لكنهم عوضاً عن ذلك عمدوا الى التوقيع عليها. وأعطت حالة الارتباك، التي عمت، الفرصة للمؤتمر الوطني الذي هجم هجمة قوية أرعبت المواطنين من ميثاق كمبالا.
■ بعيداً عن الشأن السودان الداخلي، كيف تنظرون إلى ما يحدث في مصر؟
كما يفعل الإخوان في كل مكان، فإنهم لم يشاركوا في الثورة بداية، فإذا فشلت يتبرأون منها، وإذا نجحت يدّعون أنهم مفجّروها. والمراقبون للشأن المصري يعرفون تماماً مدى انتهازية الإخوان، فقد عقدوا اتفاقيات سرية مع كبار ضباط المجلس العسكري بمجرد نجاح الثورة، وهذا ما حدث عندنا في السودان بالحرف الواحد عقب انتفاضة أبريل؛ إذ جاء الإخوان المسلمون السودانيون متأخرين ولم يشاركوا في الانتفاضة، وذلك لأنهم كانوا في سجون الرئيس النميري وانقضّ عليهم في آخر أيام تحالفه معهم، وعندما أفرجت عنهم الثورة التحقوا بها وادّعوا أنهم ضحايا نظام النميري، بينما الحقيقة أنهم كانوا شركاءه في كل جرائمه، فلحقوا بالثورة ثم وقعوا اتفاقاً مع كبار ضباط المجلس العسكري وتسربوا في جسد الانتفاضة إلى أن أوقعوها فريسة
لهم.
في مصر، يمارس الإخوان الآن ما مارسوه في السودان من تزوير في الانتخابات وحشد البسطاء وخداعهم للوصول إلى السلطة، ومن ثم إقصاء الآخرين والقضاء على النظام الديموقراطي المنتخب، حيث تقوم نظريتهم المسماة إسلامية على إقامة دولة الخلافة، وهذه بالطبع لا تحتمل التعدد وتداول السلطة. ويسعون بعد ذلك إلى تثبيت سياسة التمكين لنظامهم وجماعتهم، بحيث جاءت إلى المناصب المختلفة في الخدمة المدنية والجيش والأمن والقضاء وغيرها. إخوان مصر يسيرون الآن في نفس خطوات التمكين هذه، ويعملون على تمكين أنفسهم في كل أجهزة الدولة وقواتها النظامية بعيداً عن أعين الإعلام، ولكني أعتقد أن حراك الشعب المصري وثورته المتواصلة ضدهم سيعيقهم ويعرقل تمكينهم، وإلا سيحيق بمصر ما حاق بنا من قهر ودمار للوطن وتقسيمه، ولعل أكبر تلك الجرائم هو وقوع انفصال الجنوب.

■ على ذكر الجنوب، كيف تقوّمون عملية سير التفاوض بين السودان ودولة الجنوب؟
نحن نرى أن الاتفاقيات التي تم التوصل إليها مهمة لأنها تباعد بيننا وبين الحرب، والحرب بالطبع مدمرة للطرفين. لكن حكومتنا في الشمال سياستها عكس كل ذلك، إذ تقوم على توتير الأجواء.

■ كيف تنظرون لعلاقة دولة الجنوب بإسرائيل وهي تسير في تقارب واضح؟
كنا حزينين عندما علمنا بزيارة رئيس دولة الجنوب سلفاكير لإسرائيل، بالرغم من أن الجنوب صار دولة مستقلة من حقها إقامة علاقات مع من تحب، وقد خاطبناهم بذلك وأبلغناهم رفضنا لهذه العلاقة، لأنهم بهذا الفعل أتوا بإسرائيل كلاعب سياسي في العلاقة بينهم وبين الشمال، وبينهم وبين الدول العربية، فضلاً عن الأفريقية. وهذا التقارب بلا شك يمثل خطراً على ما نأمله من أجل استعادة الوحدة بين الشمال والجنوب، أو على الأقل المحافظة على العلاقة القديمة بين الشعبين.
بوضوح نقول إننا ضد إسرائيل ونعلم مخاطرها على الأمن الوطني، وعلى الأمن في كل مكان وضعت أرجلها فيه. ولكن للأسف ليس بيدنا شيء لنفعله؛ فالإخوة في دولة الجنوب حجّتهم في الرد علينا هي أن إسرائيل لديها علاقات مع كثير من الدول العربية، سواء كانت علاقات رسمية أو «تحت الطاولة».



حول إمكانية مشاركة قوى الإجماع الوطني في كتابة الدستور بناءً على الدعوة التي وجهتها لهم الحكومة، أوضح فاروق أبو عيسى أن الأحزاب مقهورة وليس لديها حريات، فكيف يُطلب منها المشاركة في كتابة الدستور؟ وأضاف «نحن الآن محرومون من الظهور في أجهزة الإعلام الرسمية، والنظام مارس هجمة على مراكز الاستنارة والثقافة في البلاد، وأغلق منظمات المجتمع المدني».