بعد صمت استمر خمسة أيام بدا فيها مكتفياً بموقف المراقب للفوضى التي تغرق فيها البلاد، خرج الجيش المصري أمس عن صمته، محذراً من انهيار الدولة، من دون أن يعمد إلى اطلاق أي مبادرة على غرار تلك التي أطلقها خلال أزمة الإعلان الدستوري وأجهضتها رئاسة الجمهورية. أما الرئيس محمد مرسي، الذي يبدأ اليوم زيارة إلى ألمانيا، فظهر كمن يبحث عن مخرج لأزمته وحفظ ماء وجهه بتلويحه بامكانية الغاء قانون الطورائ عن محافظات القناة الثلاث (الإسماعيلية، بورسعيد، والسويس) بعدما سبقه الشعب إلى تكريس اسقاط حظر التجول بمسيرات ليلية حاشدة. وتزامناً، حذر نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، عصام العريان، من خلال وكالة «أنباء الأناضول»، من أنه «إذا لم يكمل الرئيس المصري محمد مرسي مدته الرئاسية فلن يتمكن أي رئيس مصري قادم من إكمال مدته». واستدرك: «لكن الأمر هنا يتعلق باحترام مبادئ الديموقراطية، فالانقلاب على الديموقراطية وأدواتها في خصومة سياسية يهدد التحول الديموقراطي في مصر بشكل عام، ويؤثر بالضرورة على أي خطوة قادمة، بما في ذلك استقرار أي رئيس جديد في منصبه».
ونفى القيادي الإخواني وجود تهديد حقيقي لبقاء مرسي في منصبه، قائلاً «لا يوجد تهديد حقيقي لاستمرار الرئيس، فالتهديد الحقيقي يتمثل في الانقلابات العسكرية أو السخط الشعبي العام، وليس بسلوك بعض المعارضة لسبيل غير ديموقراطي للتعبير عن مواقفها».
ووسط هذه الرسائل المتبادلة بين القوى الرئيسية الفاعلة في المشهد المصري، كان لتحذيرات الجيش التي خرجت على لسان وزير الدفاع، القائد العام للجيش، عبد الفتاح السيسي، صداها الأوسع. وحرص الأخير على دعوة «كل الاطراف» لضرورة معالجة الازمة تجنباً لـ«عواقب وخيمة قد تهدد استقرار الوطن». وحذر من أن «استمرار صراع مختلف القوى السياسية واختلافها حول إدارة شؤون البلاد قد يؤدي إلى انهيار الدولة ويهدد مستقبل الأجيال المقبلة». وأضاف السيسي، في تصريحات خلال لقاء مع طلبة الكلية الحربية نقلها الموقع الرسمي للمتحدث العسكري على شبكة فايسبوك، أن «التحديات والإشكاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تواجه مصر حالياً تمثل تهديداً حقيقياً لأمن مصر وتماسك الدولة المصرية، وأن استمرار هذا المشهد دون معالجة من كافة الأطراف يؤدي إلى عواقب وخيمة تؤثر على ثبات واستقرار الوطن».
لكن ذلك لم يمنع السيسي من التأكيد «أن الجيش المصري سيظل هو الكتلة الصلبة المتماسكة والعمود القوي الذي ترتكز عليه أركان الدولة المصرية، وهو جيش كل المصريين بجميع طوائفهم وإنتماءاتهم». وأكد أن نزول الجيش، الذي أنيطت به الضابطة القضائية، «في محافظتي بورسعيد والسويس يهدف إلى حماية الأهداف الحيوية والاستراتيجية بالدولة»، مشدداً على أن «القوات المسلحة تواجه إشكالية خطيرة تتمثل في كيفية المزج بين عدم مواجهة المواطنين المصريين وحقهم في التظاهر وبين حماية وتأمين الأهداف والمنشآت الحيوية والتي تؤثر على الأمن القومي المصري، وهذا ما يتطلب الحفاظ على سلمية التظاهرات ودرء المخاطر الناجمة عن العنف» التي أسفرت عن مقتل 52 شخصاً معظمهم في محافظة بورسعيد (شمال شرق).
وتبعث تصريحات السيسي برسالة قوية مفادها أن أكبر مؤسسة في مصر والتي لها دور اقتصادي وأمني كبير وتتلقى مساعدات كبيرة ومباشرة من الولايات المتحدة، تشعر بالقلق على مصير البلاد بعد خمسة أيام من الاضطرابات في المدن الكبرى. موقف الجيش قابله على الجبهة الأخرى اشارات من الفريق الرئاسي لامكانية الغاء فرض قانون الطوارئ وحظر التجول الذي تحول إلى حبر على ورق، بشرط تحسن الوضع الأمني، وفقاً لما أعلنته مؤسسة الرئاسة بعد الحوار الذي عقده أول من أمس مرسي بغياب رموز المعارضة الأساسيين نتيجة مقاطعة جبهة الانقاذ الوطني.
وجاء في بيان للرئاسة «إن خيار اعلان الطوارئ رغم قانونيته لم يكن الخيار الامثل بالنسبة للسيد الرئيس إنما الاصعب، والأسبوع المقبل سيكون هناك تقرير مطول يعرض الحالة الأمنية بوجه عام، وبناءً عليه سيكون القرار المناسب: إما استمرار حالة الطوارئ لمدة 30 يوماً أو تقليص مدتها أو تقليصها جغرافيا أو إلغاؤها بالكامل».
من جهته، أطلق حزب النور، الذراع السياسية للدعوة السلفية، مبادرة «وقف نزيف الدم» تتكون من من ثلاثة محاور أهمها إيجاد حل لأزمة مدن القناة»، وإنهاء حالة الطوارئ خلال أسبوع. كما تقوم المبادرة، التي أعلن عنها رئيس الحزب يونس مخيون، على عدم إعطاء غطاء سياسي لأحداث العنف مع التأكيد على حرية التظاهر السلمي للتعبير عن الرأي، فضلاً عن ضمان مشاركة كافة القوى السياسية في صناعة القرار.
وأبدى مخيون تأييده لاقتراح تشكيل حكومة ائتلاف وطني مؤقتة، لحين انتخاب مجلس النواب، فيما كان لافتاً مطالبته «الرئاسة والحكومة، بالتخلص من التبعية السياسية والاقتصادية، لتحقيق العدالة الاجتماعية»، فيما قدم حزب الحرية والعدالة مبادرة لتعديل المواد المختلف عليها في قانون الانتخابات. أما على الصعيد الميداني، فتواصلت الاشتباكات لليوم على الخامس على التوالي في محيط ميدان التحرير الذي تفقده رئيس مجلس الوزراء هشام قنديل قبل أن يغرد عبر «تويتر» بالقول «قمت بالتشديد على رجال الشرطة على احترام المتظاهرين السلميين الذين يعبرون عن آرائهم بشكل سلمي». وامتدت الاشتباكات إلى كورنيش النيل وأمام شارع القصر العيني الذي يشهد حالة من الكر والفر بين الجانبين. وفي ميدان التحرير، أشعل متظاهرون النيران في إطارات السيارات، وأكوام من الأخشاب، وذلك للحد من آثار الغاز المسيل للدموع. كذلك، تجددت الاشتباكات بين المتظاهرين والأمن أمام مبنى محافظة كفر الشيخ. وفي خطوة تهدف لتطويق نشاط جماعة «بلاك بلوك» التي ظهرت منذ يوم «25 يناير»، اعلن النائب العام المصري طلعت عبد الله انه قرر ملاحقة اعضاء المجموعة «الإرهابية» لارتكاب أعضائها «اعمالاً تخريبية وإتلافاً وترويعاً للآمنين واعتداء على الاشخاص والممتلكات». وأهاب «بجميع المواطنين الإمساك بأي شخص يشتبه في انتمائه لتلك الجماعة والتحفظ عليه وتسليمه الى الشرطة او الجيش».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)