لم تثن الأحداث وسقوط عشرات القتلى ومئات المصابين في عدد من محافظات مصر، الرئيس محمد مرسي عن توجيه غضب جماعته ضد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر وإصدار قرار بإنهاء تبعية ضريحه لمؤسسة الرئاسة وتكليف القوات المسلحة الإشراف عليه، في خطوة وصفها الكثيرون بـ«شر البلية ما يضحك».
ففي الوقت الذي تنفجر فيه الأوضاع في مصر، لم تجد مؤسسة الرئاسة أمراً تفعله أكثر هزلاً من سحب مقتنيات الرئيس جمال عبد الناصر من ضريحه، وهي عبارة عن «مكتب قديم موجود بمدخل الضريح ومجموعة من المقاعد الملحقة به». كذلك سحبت عامل النظافة التابع لها من الضريح ورفعت يدها عنه وسلمته للقوات المسلحة. خطوة تحمل الكثير من المعاني، رأى البعض أنها أشبه بانتقام إخواني من الزعيم الراحل الذي فتح السجون المصرية لأفرادها.

إلا أن بعضاً آخر رأى أنها حركة رمزية تشير إلى صفحة جديدة في حياة مصر يريد من خلالها الأخوان أن يطووا عهد عبد الناصر. الأخير حكم رافعاً شعار القومية العربية وعزة مصر وكرامتها والعدالة والتعليم لأبنائها مع العداء لإسرائيل ورفض الهيمنة الغربية، فيما يرفع الحكام الجدد شعار الإسلام ويستهدفون إقامة الخلافة ولو عبر تكريس التبعية التي أرساها حكم أنور السادات وعمقها حكم حسني مبارك، وتجهيل المصريين ورهن لقمة عيشهم لدى المؤسسات المالية الدولية.
حتى توقيت القرار أثار الكثير من التساؤلات. قال البعض إن الأخوان لم يتمكنوا من تحمل صور عبد الناصر التي يرفعها الشباب في ميادين الثورة. ورأى المهندس عبد الحكيم عبد الناصر، نجل الرئيس الأسبق، أن «القرار هو محاولة تافهة من الإخوان المسلمين للانتقام من جمال عبد الناصر الذي ألغى مشروعهم تماماً ودفع البلاد نحو التنمية والتعليم والقضاء على الجهل والفقر، في الوقت الذي يستخدم فيه مشروع الإخوان الجهل والفقر». وأضاف موجهاً حديثه إلى الإخوان المسلمين: «إلى جماعة الشر موتوا بغيظكم جمال عبد الناصر رمز وأيقونة للحرية وتلك التصرفات الصغيرة لا تؤثر فيه».
النشطاء المصريون، من جهتهم، اتخذوا القرار مادةً سرية للسخرية من الرئيس وسياساته ونشروا له رسوماً تشبهه بالممثل عادل إمام في فيلم «زهايمر»، فيما رأى البعض أن قرار الرئاسة يأتي كمقدمة لأحداث عنف وحرق سيشهدها قبر عبد الناصر في الأيام المقبلة من أنصار الجماعة.
القيادي الناصري، أحمد الجمال، قال لـ«الأخبار»، إن «ما فعلته مؤسسة الرئاسة يؤكد أن الرئيس مرسي يجهل الكثير عن أوضاع المصريين في الوقت الحالي»، مضيفاً: «في الوقت الذى يسقط فيه المصريون قتلى وجرحى، يفكر الرئيس في تصفية حساباته الإخوانية مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ليثبت أنه ليس لديه أي قدر من الإحساس بالمسؤولية».
وكان مرسي قد بدأ رئاسته برسالة قوية تؤكد العداء التاريخي من الجماعة للحقبة الناصرية، إذ زار ضريح الرئيس انور السادات، بل منحه أرفع وسام مصري، في مؤشر على «عرفان الجميل» الذي تكنه الجماعة للسادات الذي أخرجها من السجون وأطلق يدها لمواجهة الشيوعيين. لكن مرسي لم يزر ضريح عبد الناصر في ذكرى ثورة تموز ولا في ذكرى ميلاد عبد الناصر.