القاهرة | كل المؤشرات تدل على أن الأوضاع في مصر تتجه نحو مزيد من العنف في ظل فشل دعوة الحوار التي أطلقها الرئيس محمد مرسي، بعد رفض المعارضة التجاوب معه إلا بشروط وعدم اتخاذ الرئاسة أي خطوة إضافية لمحاولة وضع حدّ لمشهد العنف الذي تغرق فيه البلاد منذ أيام. فالرئيس محمد مرسي لم يظهر أنه نجح في استخلاص الدروس من أزمة الإعلان الدستوري عندما فشل الحوار الرئاسي الذي قاطعته المعارضة في حينه، واختار أمس أن يكرر المشهد نفسه. اكتفى بإطلاق حوار وطني جديد بمن حضر. فظهر إلى جواره في قصر الرئاسة في الاتحادية كل من رئيس حزب غد الثورة أيمن نور، رئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق محمد سليم العوا ورئيس حزب النور يونس مخيون، ورئيس حزب الحرية والعدالة محمد سعد الكتاتني بعدما قاطعت جبهة الإنقاذ الحوار، مشترطة تأليف حكومة وحدة وطنية وتعديل الدستور وإقالة النائب العام. كذلك طالبت الجبهة «بلجنة تحقيق محايدة عاجلة لمحاسبة كافة المتورطين في إراقة دماء المصريين»، داعيةً المصريين الى مواصلة التزام السلمية.
وحرصت المعارضة على أن ترفق هذه الشروط بدعوة إلى تظاهرات جديدة في مختلف أنحاء البلاد يوم الجمعة المقبل، بالتزامن مع تأكيد المعارض محمد البرادعي أن «أي دعوة (للحوار) توجه إلينا يجب أن توجه إلى جبهة الإنقاذ»، في محاولة للتأكيد على توحّد الجبهة ككيان بعد التخبّط الذي ظهرت فيه نتيجة تضارب تصريحات المسؤولين فيها في ما يتعلق بحالة الطوارئ.
مشهد انقسامي سياسي يضاف إلى الوضع الأمني الذي بدأ يفلت من أيدي الحكومة التي استعانت بالقوات المسلحة، إذ وافق مجلس الشورى أمس على أن تمنح الحق في تأمين المنشآت الحيوية ومنحها الضبطية القضائية إلى جانب الشرطة «حتى انتهاء الانتخابات التشريعية، وكلما طلب منها ذلك مجلس الدفاع الوطني»، علّها تنجح في إعادة الأمن إلى الشارع مرة أخرى.
أما كأس الموت التي لم تتجرعها القاهرة طوال أحداث الأيام الماضية فكانت على موعد معها أمس بمقتل أحد المارة في الاشتباكات بين الشرطة والمحتجين على أطراف ميدان التحرير، والتي استمرت طوال ساعات نهار أمس، وتخللتها محاولة للوصول إلى مجلس الشورى باءت الفشل.
مطلق الرصاص يوم أمس في القاهرة كان مجهولاً. وهو المجهول نفسه الذي رفع ضحايا أحداث بورسعيد إلى أربعين بعد مقتل 3 من الجرحى متأثرين بإصاباتهم البالغة. أما المعلوم فكان ظهور أولى بوادر فشل حظر التجوال الذي أعلن مرسي تطبيقه ابتداءً من اليوم في محافظات بورسعيد والسويس والإسماعيلية طوال مدة إعلان حالة الطوارئ التي ستمتد لشهر. وبعدما خرجت مسيرات فورية في أعقاب كلمة مرسي لتأكيد رفض الحظر، سجلت أمس دعوات للخروج بمسيرات ليلية في هذه المحافظات. وبالتزامن، أقام المحامي سمير صبري دعوى مستعجلة أمام القضاء الإداري يطلب فيها وقف تنفيذ قرار إعلان حالة الطوارئ لعدم دستوريته.
وإن كان البعض اختار تسمية ما يجري في البلاد بالفوضى والبعض الآخر يحلو له تسمية ما يحدث باستكمال لأهداف الثورة بعدما فشلت السلمية في الوصول إلى الأهداف التي رفعت من اليوم الأول «عيش حرية عدالة اجتماعية»، فإن هناك آخرين رأوا في الأحداث تقصيراً من جهاز الشرطة في السيطرة على الوضع، وأن من يستخدم العنف مجموعة من الصبية يمكن السيطرة عليهم.
لكن الحقيقة الوحيدة أن العنف أصبح واحداً من مظاهر مصر بعد عامين على «ثورة 25 يناير»، وأن الدولة ستخرج خاسرة. أما السيناريوات المطروحة الآن للخروج من الأزمة فتكاد تكون مختصرة في اثنين: إما أن تستمر تلك الحالة من العنف ومعها يزداد كل يوم عدد الضحايا، وإما أن يقدم الرئيس بعض التنازلات ويبدي موافقته على الشروط التي رفعتها جبهة الإنقاذ. ويستطيع مرسي أن يلبّي هذه المطالب لفتح الباب أمام حوار جدي. فحكومة هشام قنديل أثبتت فشلاً كبيراً خلال فترة تولّيه منصب رئاسة الوزراء، ولا يضير الرئيس شيئاً تقنين جماعة الإخوان المسلمين وضعها القانوني. كذلك فإن اقتراحات المعارضة لتعديل الدستور سبق أن وعد مرسي بالنظر فيها. وسيؤدي تجاوب الرئيس مع مطالب المعارضة إلى دوران عجلة الحوار، كما سيكون دافعاً كبيراً لإنهاء حالة الاستقطاب السياسي التي كانت واحدة من أسباب الاتجاه نحو العنف في الفترة الأخيرة، على ما تفيد مصادر متقاطعة.
وهو عنف تصرّ جماعة الإخوان المسلمين والمعارضة على إلقاء مسؤوليته على الطرف الآخر. عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة، هشام الدسوقي، يرى أن جبهة الإنقاذ بصفة خاصة هي من أعطت الغطاء السياسي للبلطجية والمندسين الذين مارسوا العنف خلال الفترة الماضية. ووضع الدسوقي في حديث إلى «الأخبار» سيناريو للمسؤول عن أحداث العنف المستمرة، بقوله إنه «لا يمكن فصل ما يحدث عن اقتراب الكشف عن الطرف الثالث الذي مارس القتل خلال الفترة الانتقالية». وأضاف «إن من يمارس العنف أشخاص لهم علاقة بالحزب الوطني المنحل وبعض أفراد تابعين لجهاز أمن الدولة المنحل، وأيضاً هناك أجهزة استخبارات عالمية لها يد في هذه الحالة».
في المقابل، كتب الأمين العام لحزب التجمع، سيد عبد العال، على «فايسبوك»، يقول إن الحل الوحيد أمام جماعة الإخوان للاستمرار في الحكم ضد الإرادة الشعبية تصعيد العنف والعنف المضاد وإحداث أكبر قدر من الذعر والترويع للمواطنين، تمهيداً لإعلان حالة الطوارئ.
أما محمد فارس، المنسّق العام لحركة الشعب، إحدى الحركات الثورية الجديدة في الشارع المصري، فيرى في «الرئيس وقراراته الهمجية سبباً في حالة العنف».
وأمام حفلة تبادل الاتهامات التي وصلت إلى حدّ القول إن جماعات «البلاك بلوك» تابعة للتيار الشعبي الذي يقوده حمدين صباحي، يختصر مختار الغباشي، نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية، المشهد بالقول إن الإشكالية الكبرى الآن هي عدم وضوح الرؤية، لا لدى المعارضة ولا السلطة.