القاهرة | الثورة المصرية لم تنته، أو ربما هي لم تبدأ بعد؟ سؤال بدأ يجول في خاطر المصريين في الذكرى الثانية لهبّة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني. ذكرى كانت مناسبة لهبّة أخرى انتشرت على مختلف الأراضي المصرية، وكان لمدينة بور سعيد النصيب الأكبر فيها، بعدما كشف التعاطي الأمني مع المتظاهرين أن ممارسات نظام حسني مبارك، الذي ظن الجميع أنها انتهت برحيله، لا تزال حاضرة وبقوة، وبغطاء «شرعية انتخابية» يمثلها الرئيس الإخواني محمد مرسي وحكومته. حتى التعاطي السياسي بات النظام يستنسخه عن سلفه. هكذا أطلّ مرسي عبر الفضائية المصرية في خطاب مسجل لكيل التهديد والوعيد، مع إعلان حال الطوارئ في بعض المحافظات المصرية، ولا سيما محافظات قناة السويس (السويس وبور سعيد والإسماعيلية)، التي شهدت المواجهات الأقوى والأكثر دموية. مواجهات أثارت علامات استفهام كبيرة حول الغاية منها، ولا سيما بعدما حذرت مصادر أمنية من «مخطط واضح لإشاعة الفوضى في مدن القناة خلال الوقت الراهن، مدفوعاً من جهات داخلية وخارجية بهدف تشويه سمعة قناة السويس دولياً وإظهارها بالممر الملاحي غير الآمن الذي يحتاج إلى حماية دولية». التحذير لا ينفصل عما يمكن اعتباره صراعاً على القناة بين النظام الإخواني، ومن ورائه داعموه الإقليميون، والمؤسسة العسكرية، التي سبق أن حذّرت من محاولات تهديد أمن القناة عبر مشاريع استثمارية، تقف قطر وراء العديد منها.
مرسي، وعلى غرار ما فعله بعد أزمة إعلانه الدستوري، أطلق دعوة إلى الحوار. دعوة لم ينتظر فيها رد فعل المعارضة، بل حدّد موعد جلستها الأولى اليوم. وأعلنت رئاسة الجمهورية أن مجموعة من الأحزاب والشخصيات مدعوة الى الحوار الوطني، موضحة أن من بين المدعوّين خصوصاً قادة جبهة الإنقاذ الوطني الثلاثة محمد البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى. وأوضحت أن الحوار سيتم في القصر الرئاسي في السادسة مساء الاثنين (اليوم). وأشارت إلى أن الحوار سيشمل 11 حزباً وشخصيات، بينها أيمن نور ومحمد سليم العوا. وإذا كان الأخير قد شارك في جلسات الحوار السابقة، فإن موقف البرادعي وصباحي وموسى لم يتحدّد بعد، في ظل حال التخبط التي تعيشها المعارضة المصرية، التي بدأت تثير غضب المتظاهرين، الذين اعتبروا أنها بعيدة عن مطالب الشارع. فبينما كان الشباب في الشوارع يهتفون بسقوط النظام ورحيل الرئيس الذي تتلطخ يداه بالدماء، كانت جبهة الإنقاذ الوطني، التي تضم التجمع الأكبر من الأحزاب المعارضة تدعو الى تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وانتخابات رئاسية مبكرة. وجل ما استطاعت فعله في ظل المشهد الدموي خلال اليومين الماضيين، كان التلويح بمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقررة خلال الأشهر المقبلة «ما لم تستجب السلطة لمطالبها، وخصوصاً تعديل الدستور وتشكيل حكومة إنقاذ وطني وإقالة النائب العام وإخضاع جماعة الإخوان المسلمين للقانون»، بحسب بيان لها. وقالت إنه ما لم يتم الاستجابة لمطالبها الأربعة «خلال الأيام القليلة المقبلة» فإنها ستدعو الى التظاهر مجدداً يوم الجمعة المقبل من أجل «إسقاط الدستور الباطل، والعمل مؤقتاً بدستور 1971 المعدل، وللشروع الفوري في تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة».
وما زاد الطين بلة، كان ترحيب جبهة الإنقاذ بإعلان الطوارئ، إذ قال المتحدث باسم الجبهة، خالد داوود، «نحن نرى بطبيعة الحال أن الرئيس تغيب عنه المشكلة الحقيقية على الأرض ألا وهي سياساته». لكنه أضاف «دعوته إلى تطبيق قانون الطوارئ خطوة صحيحة، نظراً إلى ما يحدث أي البلطجة والأعمال الإجرامية»، في إشارة ضمنية إلى جماعة «بلاك بلوك» التي ظهرت خلال الأيام الماضية، ولا سيما أن بياناً سابقاً للجبهة حضّ على الالتزام «بسلمية التحركات».
وكان مرسي قد خرج على المصريين بعد صمت لأيام أثار الكثير من الانتقادات، ليعلن قرار فرض حالة الطوارئ لمدة شهر في محافظات بور سعيد والاسماعيلية والسويس اعتباراً من «بعد منتصف هذه الليلة». كما أعلن فرض حظر تجوال ليلي في المدن الثلاث من الساعة التاسعة مساء الى السادسة صباحاً لمدة شهر طوال مدة سريان حالة الطوارئ.
وقال الرئيس المصري، في كلمة نقلتها قنوات التلفزيون، «أكدت أنني ضد أي إجراءات استثئنائية، ولكني أكدت أنني لو اضطررت سأفعل حقناً للدماء وحماية للمواطنين، وها أنا أفعل»، مضيفاً «إذا رأيت أن أبناء الوطن أو مؤسساته أو الممتلكات العامة والخاصة يتعرضون لخطر فسأضطر لأكثر من ذلك»، مكرراً «سأضطر لفعل أكثر من ذلك، لمصلحة مصر سأفعل، هذا واجبي ولن أتردد فيه لحظة». وأضاف «سنواجه أي تهديد لأمن الوطن بقوة وحسم في ظل دولة القانون»، مشدداً على أنه «أصدر تعليماته» لقوات الأمن بـ«التعامل بمنتهى الحزم والقوة مع من يعبث بأمن الوطن». وأكد أن «أحكام القضاء واجبة الاحترام منا جميعاً، فهي ليست موجهة ضد فئة بعينها وليست منحازة لأي فئة أخرى».
لكن إعلان مرسي وتهديداته لم تفض إلى هدوء، بل على العكس، إذ تلقفها المتظاهرون في القاهرة ومدن القناة باعتبارها نوعاً من التحدّي، فخرجت تظاهرة في ميدان التحرير، حيث سمع إطلاق نار. كما خرجت مسيرات في السويس وبور سعيد تؤكد رفض الطوارئ.
تهديد مرسي بالقوة أثار الكثير من الاستغراب، ولا سيما أن القوة كانت العنوان الأبرز للتعاطي الأمني مع المتظاهرين في المدن المصريّة. فالمشاهد التي تم رصدها خلال الأيام الثلاثة الماضية أفضت إلى نتيجة واحدة، وهي أن الثورة لم تنجح بعد، وأن العقلية الأمنية لا تزال هي المسيطرة الأولى على النظام الحالي. الأيام الثلاثة الماضية أثبتت أن هناك تشابهاً كبيراً في العقلية العسكرية التي كان منها حسني مبارك، والعقلية الدينية التي ينتمي لها مرسي.
عقلية أفضت إلى 37 قتيلاً في بور سعيد و433 مصاباً. رقم مرشّح للتزايد مع استمرار الاشتباكات هناك، ولا سيما بعد إطلاق عناصر من وزارة الداخلية قنابل الغاز المسيلة للدموع على جنازات 28 قتيلاً، كان الأهالي يشيعون جثامينهم في جنازة جماعية. وزارة الداخلية قالت على لسان مسؤول العلاقات العامة والإعلام فيها إن عدداً ممن كان مشاركاً في الجنازة ألقوا حجارة وزجاجات حارقة على مبنى نادي الشرطة القريب من المقابر في بور سعيد، ما دفع القوات الى إلقاء القنابل لتفريقهم وتأمين النادي.
الأمن تعامل مع المتظاهرين بوحشية كما كان يتعامل أمن مبارك، أوقع كل هذا العدد من الضحايا ما بين مصابين وقتلى، ومع ذلك تشتكي قيادات في الوزارة من أن تسليحها غير كاف للتعامل مع تلك التظاهرات وتريد السماح لهم بتسليح أكثر تطوراً وأكثر فتكاً. الأدهى أن قادة في جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة تحولوا إلى متحدثين بنفس لسان أعضاء الحزب الوطني المنحل، فخرج محمد طوسون، رئيس اللجنة القانونية لجماعة الإخوان المسلمين، ليعلن أنهم لا يدرون من قتل الضحايا الذين وقعوا في الاشتباكات أثناء إحياء الذكرى الثانية للثورة. وقال «البعض يقول إنهم قتلوا برصاص من الخلف... قد يكون هناك مندسون بينهم»، وأضاف «لا مانع من استخدام السلاح ضد من يحاول اقتحام السجون، يأتى كحلٍ أخير إذا تم استنفاد جميع محاولات التهدئة».