ثلاثة مؤتمرات ينشط التحضير لها في الكواليس الدولية، وجميعها على صلة هامة بالأزمة السورية. الأول مؤتمر باريس، في ٢٨ كانون الثاني الجاري، للمعارضة السورية ونحو خمسين دولة لدراسة كيفية تنفيذ التعهدات السابقة. المؤتمر الثاني سيعقد يوم ٢٩ الجاري، على شكل جلسة لمجلس الأمن، ما يعتبر قمة تشاور حول سوريا للدول الخمس الكبرى في العالم. أما الثالث، فهو مؤتمر الكويت الدولي لدعم النازحين السوريين المزمع عقده في الثلاثين من هذا الشهر.
المشترك بين هذه المناسبات الثلاث، بحسب ما كشفته لـ«الأخبار» مصادر دبلوماسية مطلعة على كواليس التحضيرات لها، أنّها تعمّق غموض موقف واشنطن من الأزمة السورية، وتكشف رغبتها، ومن خلفها باريس، إلى حدّ أقل ومستجدّ، بالتراجع عن الاستمرار حتى النهاية في دفع الكلفة السياسية أو المالية لمعركة اسقاط الرئيس بشار الأسد.
ماذا في الوقائع حول مؤتمر الكويت؟ في نهاية الشهر الجاري، ينعقد في الكويت المؤتمر الدولي لدعم النازحين السوريين. واستعداداً لهذا الحدث، نشّطت كلّ دول جوار سوريا المنخرطة في استقبال النازحين، قنواتها الدبلوماسية باتجاه واشنطن. والهدف هو ضمان دعم واشنطن لمطالبها المالية التي ستطرحها على مؤتمر الكويت، لمساعدتها على الاستمرار في تحمّل أعباء استضافة النازحين الذين تتعاظم أعدادهم. ولكن دول الجوار، سواء تركيا أو الأردن أو لبنان، سمعت في واشنطن إجابة واحدة من شقيّن ليس بينهما رابط منطقي، الأول يدعو هذه الدول إلى طلب المساعدة المادية «من الجهة المسؤولة عن تمويل ملف النازحين، وهي السعودية بالتحديد ودول الخليج عامة». والشقّ الثاني تعهدت بموجبه واشنطن أن تضغط على هذه الدول، لكي تلبي الاحتياجات المالية التي تطلبها دول الجوار.
ولدى مراجعة واشنطن، من قبل دول جوار سوريا، عن مصير تعهداتها السابقة باستدامة تقديمها المساعدة المالية لهم، طوال فترة انخراطهم في تحمل أعباء النازحين السوريين، أجابت مصادرها المسؤولة «أنّها لغاية الآن لم تحدّد حجم المبلغ الذي ستساهم به لصندوق دعم النازحين الدولي المفترض أن تنشئه فعاليات مؤتمر الكويت، مع التلميح إلى أنّها ستقدّم هذا المبلغ، الذي قد يكون كبيراً لمرة واحدة». ولكن المفاجأة التي أسرّ بها المسؤولون الأميركيون، هي اعتزام واشنطن التمثل في هذا المؤتمر بوفد منخفض المستوى سياسياً، قياساً بنوعية مشاركة الدول الأخرى فيه، التي ستكون على مستوى وزراء الخارجية.
وعلمت «الأخبار» أنّ مستوى الوفد الأميركي إلى مؤتمر الكويت تمّ خفضه إلى الدرجة التي تشير للجهات الراعية له، بأنّ دور واشنطن في أعماله «تقني ــ مشجع وضاغط على الدول الخليجية لإبداء سخاء مالي أكبر في دعم النازحين»، وليس «مانحاً أساسياً». وبحسب مصادر موثوقة الاطلاع على كواليس التحضيرات له، «فإنّ وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لن تشارك في المؤتمر بحجة انشغالات لم يجرِ تحديد طبيعتها، وكذلك الحال بالنسبة لخلفها جون كيري، بدعوى أنّه خلال عقد المؤتمر سيكون مشغولاً بالمثول أمام الكونغرس الأميركي (!). وبدل مشاركة أيّ منهما، ستكتفي واشنطن، بارسال وفد أقل مستوى، يضمّ كلّاً من مساعدة وزير الخارجية لشؤون النازحين واللاجئين آن ريتشارد، والسفير روبرت فورد المسؤول السياسي عن الملف السوري».
وبحسب المصادر عينها، فإنّ واشنطن، رغم اعترافها في كواليس محادثات تحضير مؤتمر الكويت، بأنّ عدم مشاركتها فيها بوفد سياسي عال المستوى، سيترك رسالة تحبط من عزيمة دول جوار سوريا بخصوص استضافتهم للنازحين، إلّا أنّها مثابرة على خفض تمثيلها.
وما يثير الريبة من وجهة نظر الأطراف العربية الراعية لمؤتمر الكويت، أنّ الموقف الأميركي منه يتزامن مع ثلاثة مستجدات لافتة:
أولها، أنّ قرار الولايات المتحدة خفض تمثيلها في المؤتمر يتزامن مع كلام فرنسي مستجدّ حول أنّ مهمة المؤتمر هي «بناء قدرات وكالات الأمم المتحدة المختصة لتستطيع أن تقوم بدورها لإغاثة اللاجئين السوريين في دول جوار سوريا»، أي أنّ وظيفته تقنية. ويكتمل البعد السياسي لهذا الكلام المصحوب بشبه مقاطعة أميركية سياسية للمؤتمر، مع مؤشر بالغ الحدة، يتمثل بقيام الأمم المتحدة (التي يراد حصر صلاحيات صرف كل التمويل بهيئاتها) بتوجيه مساعداتها البالغة ٥١٩ مليون دولار إلى المتضررين السوريين من خلال الحكومة السورية، المفترض أنّها غير شرعية بحسب الموقفين الأميركي والفرنسي.
المستجدّ الثاني هو أنّ آن ريتشارد تعتزم قبل مشاركتها في مؤتمر الكويت القيام بجولة على كلّ من الأردن وتركيا، ما يعني أنّ واشنطن لديها أجندة تحرك خاصة بها حيال ملف النازحين السوريين، يدير ظهره لعملية تنسيق خطواته الميدانية مع رعاته العرب في مؤتمر الكويت. وبكلام أوضح، حسب المصادر عينها، فإنّ واشنطن شديدة الاهتمام بهذا الملف انطلاقاً من اعتبارين اثنين، أولهما ضمان عدم تسبّبه بهزّ استقرار دول جوار سوريا، وثانيهما من منظار جعل مفاتيح صرف الأموال عليه موجودة بأيدي هيئات الأمم المتحدة لضمان عدم تسرّبها للأطراف الأصولية المتشددة في المعارضة. والخطوة الأكثر إثارة في بدء واشنطن بتجسيد اعتبارها الأخير، تمثلت بإعطائها الضوء الأخضر للأمم المتحدة كي تنسق صرف مساعداتها للمتضررين داخل سوريا مع النظام السوري ذاته، من خلال الحكومة الرسمية في دمشق.
الثالث، يتعلق بأنّ موقف واشنطن المتراجع في قضية النازحين من تسييسه ضد النظام، لمصلحة اعتماد نظرة تقنية حياله، تزامن مع موقف تردد في الكواليس الخارجية الفرنسية مؤخراً، يفيد بأنّ باريس لن تلتزم خلال اجتماع المعارضة السورية يوم ٢٨ الشهر الجاري، بالوفاء بتعهدها له بتبني تسميته رئيساً لحكومة المعارضة السورية، حتى قبل تشكلها. وثمة انتظار في دوائر عربية متحمسة لهذا الاجراء يوم ٢٨ المقبل لتعرف ما إذا كانت فرنسا تخلّت فعلاً عن هذا الالتزام، ما من شأنه أن يعمق الشعور بأنّ المناخ الدولي يتغير ضمن سياسة «الغموض المضلل»، حسب ما تصفه، في كواليسها، الجهات العربية الراعية لمؤتمر الكويت.