لا شيء يؤكد حتى حينه أنّ الدوائر الغربية عموماً والأميركية منها خصوصاً أنجزت اليوم خطّتها لسيناريو مماثل: ما بعد سقوط النظام. إلّا أنّ أحداً في الغرب لم يعد على اقتناع بأنّ النظام السعودي لا يزال هو نفسه النظام المقتدر والمتخم بمقوّمات الصمود. صحف الغرب وتقاريره الاستخبارية ومعها تقارير مراكز الدراسات وتقديراتها، تجدّد إحصاءها في كلّ مرّة حجم المآزق الاستراتيجية التي تتقاذف المملكة السعودية على خلفية غير ملف (الاقتصاد، النفط، الحكم، الأمن،...)، وهو ما صار تعدادها أو الاستشهاد بها باعثاً على الملل، منذ أن صارت الخبز اليومي للكتّاب الغربيين مع أحداث «الربيع العربي» قبل سنوات، وتكثّفت في الآونة الأخيرة مع انخفاض أسعار النفط ورحيل الملك عبدالله. هذا التكرار الممجوج لا يعني بأي حال أن في تصعيد التقارير الغربية للهجة التشاؤمية الكثير من المبالغة، أو التعمّد السياسي غير الموضوعي للتصويب على نظام الرياض. فالواقع أثبت في الأشهرة الأخيرة ولا يزال يثبت مصداقية عدد من هذه التوقّعات.
قد تواجه السعودية «مزيجاً من حركات التمرّد القبلي وثورات اجتماعية»

آخر هذه الكتابات كان تقرير موقع «ديفينس وان» الذي حمل عنوان «ابدؤوا الاستعداد لسقوط المملكة السعودية»، وهو للكاتبين ساره شايز (المستشارة السابقة لرئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة ومشاركة في برامج مؤسسة "كارنيغي") واليكس دي وول (باحث وأكاديمي وخبير شؤون عربية وأفريقية). يطالب معدّا التقرير حكومة الولايات المتّحدة بأن تكون جاهزة لمرحلة سقوط نظام آل سعود القادمة.
يكشف التقرير عن أن صنّاع القرار في واشنطن بدأوا بالفعل، منذ وقت، التخطيط لمرحلة انهيار المملكة السعودية. ويرى التقرير أن السعودية ليست دولة حقيقية، بل «شركة سياسية تتّبع نموذجاً ذكياً ولكنه ليس قابلاً للاستمرار»، مشبّهاً الملك السعودي بـ«الرئيس التنفيذي لشركة تجارية عائلية تحوّل النفط إلى دفعات من أجل شراء الولاء السياسي، سواء عبر الدفعات النقدية أو الامتيازات التجارية لأعداد السلالة الحاكمة المتزايد، أو من طريق تأمين بعض المنافع وفرص العمل للمجتمع».
وعن الشكل الثاني من شراء الولاءات السياسية يشير تقرير "ديفينس وان"، المعروفة بقربها من وزارة الدفاع الأميركية، إلى وجود «طبقة سنّية مثقّفة منفتحة على العالم الخارجي بشكل غير مسبوق، ما يرجّح عدم بقائها راضية ببعض الخدمات التي يقدّمها الحكّام». ويسأل الكاتبان عمّا سيحصل في حالة ارتفاع «ثمن الولاء السياسي» حيث «السوق السياسية تخضع أيضاً لنظام العرض والطلب»، خاصّة أنّ هذه المخاوف تترافق مع سياسة توسيع إنتاج النفط في ظلّ الأسعار المنخفضة، وهو ما قد يرتدّ حاجة ماسّة إلى الإيرادات والضرورات.
هذه السياسة النفطية التي يشير إليها تقرير «ديفينس وان»، والتي اتبعتها الرياض في الأشهر الماضية، تتكشّف اليوم عن فشل لم يعد معه النظام السعودي قادراً على الاستمرار في اللعبة حتى الآخر، وهو ما تعنيه موافقة السعوديين على مقترح تحديد كمّية التصدير. لكن ما يجعل المحلّل الفرنسي «تيري ميسان» موافقاً على تشخيص مستقبل السعودية في تقرير «ديفينس وان» هو الصراعات داخل العائلة المالكة، وإن كانت قد انتهت ظاهرياً. أما الأمر الآخر الذي يضيفه، في مقاله تحت عنوان «نحو انهيار المملكة العربية السعودية»، فهو تعامل النظام السعودي مع معارضيه، حيث توقّع الكاتب أن تجد السعودية نفسها أمام «مزيج من حركات التمرّد القبلي وثورات اجتماعية ربّما تكون أشدّ فتكاً ودموية من كلّ ما شهده الشرق الأوسط من صراعات».
في تحليله الذي نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى قبل أيام (16 شباط)، رأى سايمون هندرسون أن عدداً قليلاً من الناس يشكّ في خصومة وليّي العهد محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، مستبعداً أن يكون التوتّر بين الرجلين قابلاً للاستمرار ضمن هيكل السلطة السعودية، وفي حال المواجهة «ترجح الكفّة لمصلحة الأمير محمد بن نايف، باعتبار أن القوات شبه العسكرية الكبيرة المعروفة بالحرس الوطني (الذي يتمّ تجنيده على أساس قبلي) هي تحت إمرة متعب بن عبدالله الحليف المقرّب من بن نايف».
وبالعودة إلى «ديفينس وان»، فإن سيناريو الانفجار الداخلي هو واحد من سيناريوات ثلاثة محتملة، إلى جانب سيناريو الحرب الخارجية، أو حدوث «تمرّد إمّا بصورة انتفاضة غير مسلّحة أو تمرّد جهادي»، قبل أن يختم دي وول وشايز بالتأكيد على وضع الولايات المتّحدة السيناريوات الثلاثة موضع الاعتبار والكف عن «التفكير الأوتوماتيكي» الذي طبعت به السياسة الأميركية تجاه السعودية على الدوام.