فرضت التوازنات التي أنتجتها الانتخابات الإسرائيلية على رئيس الحكومة المقبلة، خيارات محددة في تشكيل الحكومة، وخصوصاً أن التكتلات التي يجمع كل منها العديد من الأحزاب والحلفاء التقليديين أو الطارئين، غير قادرة على تشكيل حكومة مستقرة تستطيع مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، واتخاذ قرارات حاسمة في مختلف القضايا المطروحة أمام الدولة العبرية.
التوازنات والتباينات بين مواقف وأولويات قادة الكتل الرئيسية، بلغت حدّاً دفع بعض هؤلاء إلى الإعلان عن عدم استعداده للمشاركة في نفس الحكومة التي يشارك فيها آخرون ممن يعارض توجّهاته بشكل جذري، كما هي الحال بالنسبة الى موقف تسيبي ليفني من المشاركة مع رئيس «البيت اليهودي» نفتالي بينيت، وموقف رئيس «يوجد مستقبل» يائير لابيد، من مشاركة الحريديم، وموقف رئيسة حزب «العمل» شيلي يحيموفيتش، من المشاركة في حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو.
نتائج الانتخابات والتباين في تحديد الأولويات والخيارات السياسية، تجعل الخيار الأكثر رجحاناً في هذه المرحلة لتشكيل حكومة مستقرة هو السعي إلى أوسع مشاركة حزبية توفر غالبية متغيرة من كل قضية من القضايا المطروحة على طاولة البحث، سواء لجهة الأزمة الاقتصادية أو توزيع عبء التجنيد أو لجهة عملية التسوية.
وعلى الرغم من أن منسوب المناورة والابتزاز سيكون مرتفعاً في مواقف رؤساء الكتل، التي بدأت منذ الإعلان عن النتائج النهائية غير الرسمية، إلا أنها تنطوي على رسائل ومؤشرات حول الاتجاهات التي ستسلكها هذه الكتل والأحزاب لجهة تحديد مواقفها وشروطها إزاء التوافق على طبيعة وتوجهات الحكومة المقبلة.
في ضوء ذلك، يبدو أن الأجواء الغالبة لا تزال ترجح حتى الآن إعادة تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة المقبلة، لكن من الناحية النظرية يمكن افتراض العديد من السيناريوهات حول شخصية رئيس الحكومة المقبلة، تصل إلى حد استبدال نتنياهو برئيس كتلة «يوجد مستقبل» يائير لابيد، التي أكدت بعض التقارير الإعلامية أنه لا يرى نفسه رئيساً للحكومة، وصولاً إلى طرح تكرار صيغة التناوب في رئاسة الحكومة، التي تم تنفيذها في أعقاب انتخابات عام 1984، في ظروف مشابهة لجهة عجز كل تكتل عن تشكيل حكومة مستقرة.
لكن ضعف احتمال تكليف لابيد بتشكيل الحكومة لم يمنع رئيسة حزب «العمل»، شيلي يحيموفيتش، من المسارعة إلى الدعوة لاستبدال نتنياهو، التي يبدو أنها تستند إلى إمكانية عقد تحالف بين الأحزاب المحسوبة على معسكر الوسط واليسار إلى جانب الأحزاب الحريدية. وفي هذا السياق، أكدت يحيموفيتش عزمها على بذل كل ما بقدرتها من أجل «استغلال إمكانية سياسية فُتحت من أجل تشكيل ائتلاف بين قوى معتدلة، اجتماعية، تطمح إلى السلام ووسطية بدون نتنياهو رئيساً للحكومة».
موقف يحيموفيتش ودعوتها العلنية لاستبدال نتنياهو دفعا الأخير إلى المسارعة للالتفاف على هذا الخيار، من أجل فرض نفسه كمرشح وحيد لرئاسة الحكومة المقبلة عبر توجيه الشكر للجمهور الإسرائيلي الذي اختاره مرة ثالثة لقيادة إسرائيل، (بعد انتخابه مرتين في عامي 1996 و2009)، وحديثه عن أن لابيد «شريك أول وحقيقي» في حكومته المقبلة. كما لم ينتظر نتنياهو تكليفه بشكل رسمي لتحديد طبيعة وأسس الحكومة المقبلة، بل بادر إلى الحديث عن أنه سيشكل حكومة واسعة قدر الإمكان، تركز على تحقيق المساواة في عبء التجنيد، ومعالجة ارتفاع أسعار الشقق وتغيير نظام الحكم.
أما الفائز الأهم في هذه الانتخابات، والعامل الأساسي في ترجيح خيارات تشكيل الحكومة واستقرارها، يائير لابيد، فقد رأى أنه يجب على قادة الأحزاب بذل كل جهد مستطاع من أجل تشكيل أوسع حكومة ممكنة تضم ممثلين عن أحزاب اليمين واليسار على حد سواء لتمكيننا من التعامل مع التحديات التي تواجهنا، مضيفاً إن إسرائيل تواجه أزمة اقتصادية من شأنها أن تؤدي إلى تقويض الطبقات الوسطى في المجتمع، وتتعرض لموجة انتقادات دولية، وتقف أمام تحديات أمنية، الأمر الذي يستوجب تضافر الجهود لمواجهتها.
في كل الأحوال، ضيّقت التوازنات التي أنتجتها الانتخابات الإسرائيلية خيارات الرئيس المقبل ووضعته أمام أحد الخيارات الآتية: إما حكومة مشكلة من اليمين والحريديم، وهو خيار بات بعيد المنال. أو حكومة مشكلة من اليسار والوسط، إضافة إلى الحريديم، وهو خيار ضعيف الاحتمال أيضاً، أو حكومة مشكلة من اليمين ومعسكر الوسط، وهو خيار قابل للتحقق سواء مع الحريديم أو بدونهم.
وفي ظل هذه الخيارات، رجح رئيس الكنيست، رؤوبين ريفلين، الذي فاز على قائمة «الليكود ـــ بيتنا»، إجراء انتخابات مبكرة خلال فترة وجيزة في حال عدم تمكن الحكومة المقبلة من التوصل إلى حلول في قضايا رئيسية اقتصادية واجتماعية وسياسية كانت مدار خلاف في الكنيست السابق.