خلافاً لمعظم التوقعات التي سبقتها وواكبتها، لم تخل الانتخابات الإسرائيلية من مفاجآت، كان أبرزها اقتحام الحزب الناشئ «يوجد مستقبل» المشهد السياسي بقوة، حاصداً ثاني أكبر كتلة نيابية قوامها، بحسب النتائج النموذجية التي نشرتها محطات التلفزة الإسرائيلية أمس، 19 مقعداً، فيما بقي «الليكود بيتنا» متصدراً القوائم الفائزة، لكن من موقع الخاسر لأكثر من ربع حجمه التمثيلي، متراجعاً من 42 مقعداً في الكنيست المنحل إلى نحو 31 مقعداً في الكنيست الحالي.
أما بقية الأحزاب، فقد راوحت عند الحدود التي رسمتها لها استطلاعات ما قبل الانتخابات، حيث حل حزب العمل ثالثاً مع نحو 17 مقعداً، فيما تشارك كل من «شاس» الأصولي و«البيت اليهودي» اليميني المتطرف المكان الرابع مع نحو 12 مقعداً لكل منهما، وهي حال «الحركة» الوسطي و«ميريتس» اليساري اللذين تشاركا المكان الخامس مع نحو 7 مقاعد لكل منهما، يليهما «يهدوة هاتوراة» الأصولي مع نحو 6 مقاعد، بينما بقيت الأحزاب العربية الثلاثة مع كتلة مؤلفة من نحو 10 مقاعد. أما «كديما»، الذي كان الحزب الأكبر في الكنيست المنحل، فقد اختفى عن الحلبة جراء عدم تمكنه من تجاوز نسبة الحسم.
وبرغم أن الأرقام المتقدمة ليست نهائية، بانتظار أن تعلن الأخيرة اليوم، فإن السوابق تشير إلى أن النتائج النموذجية التي تجريها محطات التلفزة، وهي عبارة عن استطلاعات لآراء الناخبين عند خروجهم من مراكز الاقتراع، عادة ما تكون قريبة جداً من الواقع وتعكس الحجم التمثيلي الحقيقي للأحزاب مع فوارق ضئيلة.
وعلى هذا الأساس، بنى المعلقون والمسؤولون الحزبيون في إسرائيل مواقفهم أمس، حيث كان العنوان الأبرز لكل التحليلات هو شدة التعقيد الذي أصاب الخريطة الحزبية الإسرائيلية لجهة إمكان تركيب حكومة مستقرة تمتلك حداً أدنى من التجانس بين مكوناتها. حتى إن البعض تحدث عن «فوضى حزبية» وعن «غابة ائتلافية» أفضت إليها الانتخابات، فيما لم يستبعد عدد كبير من السياسيين احتمال اللجوء إلى تكرار الانتخابات خلال فترة قصيرة بسبب حالة التشظي الحزبي وتعدد مراكز الثقل بين الكتل في الكنيست الجديد.
وفي الواقع، فإنه من الناحية العملية يمكن القول إن أبرز ما أفضت إليه انتخابات أمس هو خلو الساحة الحزبية في إسرائيل من حزب كبير مهيمن، يشكل بؤرة ارتكاز تتجمع حولها بقية الأحزاب في أي ائتلاف حكومي. ويتأكد هذا الاستنتاج لدى استحضار حقيقة أن «الليكود بيتنا» هو قائمة شراكة انتخابية بين حزب الليكود من جهة، وحزب «إسرائيل بيتنا» الذي يتزعمه أفيغدور ليبرمان.
أما على مستوى التقسيم وفقاً لمعيار المعسكرات، فيمكن القول إن نتائج الانتخابات استقرت على توازن هش بين معسكر اليمين الذي تراجع من 65 في الكنيست المنحل إلى 61 في الكنيست المنتخب، ومعسكر الوسط _ يسار الذي بات يعدّ 59 مقعداً، بضم الأحزاب العربية إليه. وأول ما يعنيه ذلك هو أن اليمين يتمتع بكتلة مانعة تحول أن يشكل معسكر الوسط _ يسار الحكومة، إلا أن المفارقة أن اليمين من جهة أخرى لا يملك القدرة على تشكيل حكومة مستقرة وحده، وسيكون مضطراً للتحالف مع أحزاب من المعسكر الآخر.
ومهما تكن تركيبة الائتلاف الحكومي المقبل، فإن النقطة الأكيدة هي أن حزب «يوجد مستقبل» سيكون حجر الزاوية فيه. وبرغم أن السيناريوهات الأكثر ترجيحاً لهذا الائتلاف تميل إلى أن يكون برئاسة نتنياهو، إلا أنه من الناحية النظرية ثمة إمكانية لفرضيات أخرى تقوم على خيار انضمام الأحزاب الأصولية إلى معسكر الوسط.
وكان نتنياهو قد سارع ليل أمس إلى سحب البساط من تحت أقدام منافسيه من خلال التعامل بمنطق الأمر الواقع مع كونه رئيس الوزراء المقبل، حين وجه الشكر للجمهور الإسرائيلي على الفرصة التي وفرها له «للمرة الثالثة كي أقود دولة إسرائيل». وفي خطاب احتوائي، أعلن نتنياهو عن شروعه في مشاورات ائتلافية لتشكيل «حكومة واسعة قدر الإمكان»، محدداً خمسة مبادئ مركزية لها هي: «قوة أمنية في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجهنا وعلى رأسها التهديد النووي الإيراني، مسؤولية اقتصادية لن نتنازل عنها للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية، مسؤولية سياسية والسعي الدائم لسلام حقيقي، زيادة المساواة في توزيع عبء الخدمة العسكرية، وخفض الأكلاف المعيشية».
إلا أن رئيسة حزب «العمل»، شيلي يحيموفيتش، شددت في خطاب ما بعد إعلان النتائج على عزمها على تشكيل كتلة مانعة في مواجهة «الليكود بيتنا» وتحدثت عن وجود «فرصة كبيرة جداً لتشكيل حكومة بديلة لحكومة نتنياهو». ولمحت يحيموفيتش إلى الإطار الائتلافي لهذه الحكومة عبر إشارتها إلى محادثات أجرتها مع كل تسيبي ليفني، زعمية «الحركة»، ويائير لبيد، زعيم «يوجد مستقبل»، وزهافا غلؤون، زعيمة «ميريتس»، والأحزاب الأصولية.
وكانت إسرائيل قد شهدت أمس يوماً انتخابياً ماراتونياً تجند خلاله رؤساء الكتل والنشطاء لحث الجمهور على المشاركة التي بلغت نسبتها 66,6 %.
وتميز اليوم الانتخابي بتوتر بلغ الذروة، وهو ما انعكس في تنافس الأحزاب على كل صوت حتى الساعات الأخيرة، ومواصلة النشطاء الحزبيين جهودهم من أجل إقناع المترددين للتوجه الى صناديق الاقتراع. وجاء التعبير الأبرز عن حالة التوتر التي انتابت نتنياهو من خلال رسالة وضعها على صفحة الفايسبوك الخاصة به قبل ساعتين من إغلاق صناديق الاقتراع، دعا فيها مناصريه إلى التصويت تحت عنوان «حكم الليكود في خطر».