القاهرة | يعيش المصريون هذه الأيام واحداً من أهم المشاهد التي جاءت في فيلم المخرجين: الراحل يوسف شاهين، وخالد يوسف «هي فوضى». مشاجرات في الشوارع بعدد من المحافظات المصرية تحولت الى فوضى كبيرة، وسط غياب أمني قادر على السيطرة عليها، رغم تغيير وزير الداخلية المصرية اللواء أحمد جمال الدين، واختيار اللواء محمد إبراهيم بديلاً منه، ورغم ان الأخير يحاول إثبات جدارته بفرض السيطرة الأمنية، ونشر عدد من الضباط والعساكر في إشارات المرور بالشوارع، في محاولة فاشلة لإظهار عودة الأمن. وشهدت مصر خلال الأيام القليلة الماضية مشاجرات أهلية أدّت الى فوضى في بعض الوقت، وتم التعامل معها بإطلاق الرصاص بين قوّات الأمن والمواطنين في كثير من الأحيان، ووصلت إلى العاصمة، حيث وقعت مشاجرات، وخصوصاً في الاماكن الشعبية. وفي المنطقة الفاصلة بين العاصمة ومحافظة القليوبية بحي شبر الخيمة، سادت حالة من الانفلات بسبب تعدّي أحد ضباط قسم شرطة شبرا ثان على مواطن، فتطور الأمر الى محاصرة قسم الشرطة، وعزّزت قوات الأمن من وجودها هناك، فيما هاجم عدد من المواطنين ديوان القسم، وتطور الأمر الى إطلاق الشرطة رصاص الخرطوش والغازات المسيلة للدموع لتفرقة التجمعات أمام القسم.
وقالت مديرية الصحة في القليوبية في بيان لها إن حصيلة الأحداث بلغت 3 قتلى و6 مصابين على الأقل، وإن هذه الأعداد هي التي دخلت مستشفيات المحافظة، ومن المتوقع ارتفاعها بعد حصر الحالات، التي توجهت إلى مستشفيات القاهرة مباشرة.
كما شهدت محافظة الإسكندرية حالة من الفوضى هي الأخرى في مواجهات بين قوات الأمن وعدد من المتظاهرين أثناء نظر قضية قتل المتظاهرين أمام مقرّ محكمة الجنايات بالإسكندرية، حيث تجمع المواطنون وهتفوا ضدّ الداخلية، التي يقف عدد ممن ينتمون اليها كمتهمين في قضية قتل المتظاهرين أثناء الثورة، وتطور الأمر الى اشتباكات بين الطرفين، ما اضطر هيئة المحكمة الى الاعتذار عن عدم نظر القضية في ظل هذه الظروف، وفي ظل الغياب الأمني وحالة الفوضى. وأحالت القضية مرّة أخرى إلى محكمة الاستئناف لتحديد دائرة أخرى للنظر بالقضية.
ووسط هذه الحالة من الفوضى الأمنية، كادت محافظة قنا في صعيد مصر أن تنفجر بفتنة طائفية بعدما تجمهر عدد كبير من المواطنين أمام إحدى الكنائس بسبب مشكلة اجتماعية تتلخص في تعدّي رجل قبطي على طفلة مسلمة، بحسب بلاغ تقدمت به أم الطفلة إلى قسم الشرطة، الأمر الذي دفع حشداً من المسلمين الى التجمهر أمام الكنيسة، ورشقها بالحجارة. فعمدت القوات الأمنية على الأثر الى نشر قواتها حول الكنيسة، لكن ذلك لم يحل دون تطور الوضع الى اشتباكات بين المواطنين وقوات الأمن، التي تمكنت بعدها من استعادة الأمن في القرية، لكن هناك بوادر أزمة قد تنفجر في تلك المنطقة قريباً.
كذلك شهدت مختلف المحافظات أكثر من 20 تظاهرة ووقفة احتجاجية، بعضها متعلق بمطالب فئوية وثانية ضد أخونة الدولة، وثالثة تطالب بحقوق متنوعة لأهالٍ وعمال وأصحاب سيارات، ورابعة تحاصر وزير الصحة في البحيرة لرفضه الاستماع إلى شكوى الأهالي من سوء الأوضاع الصحية. كما نظم العشرات من أصحاب سيارات النقل الثقيل وقفة احتجاجية أمام بوابة ميناء دمياط، وأعلنوا توقفهم عن العمل، مطالبين بزيادة الأجرة المعروفة باسم «الناولون». فيما نظم العشرات من العاملين في شركات الإنتاج والخدمات البترولية في شمال سيناء وقفة احتجاجية أمام مبنى ديوان عام المحافظة، مطالبين بأن تحقق وزارة البترول وعودها لهم بالتعيين. وفي البحيرة، حاصر المئات من أهالي إيتاي البارود وزير الصحة عقب افتتاحه مستشفى الطوارئ بالمنطقة، احتجاجاً على سوء الأوضاع الصحية.
تأتي هذه الاحتجاجات فيما تستعد قوات الشرطة في العاصمة لتأمين المنشآت العامة خلال الذكرى الثانية للثورة وتظاهرات «25 يناير»، التي دعا إليها العديد من القوى السياسية في ميدان التحرير وعدد من الميادين الأخرى بمختلف المحافظات، وذلك تحسباً لحدوث أي فوضى على غرار ما حدث في «25 يناير» 2011 بعد انسحاب الشرطة كاملة. هذه الحالة من الفوضى يفسرها الصحافي المتخصص في الحوادث والقضايا الوليد إسماعيل، بأنها نتاج عدّة عوامل، أولها سوق السلاح الكبير المفتوح حالياً في مصر، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن غياب الداخلية على أرض الواقع، هو أحد أسباب وجود تلك الأسلحة في أيدي مواطنين عاديين، بحيث أصبح المواطن مقتنعاً بأن الداخلية لا تحميه، وأن عليه حماية نفسه بنفسه.