ملف | العلاقات المصرية الإيرانية واحدة من علامات الاستفهام الكبرى التي سيسجلها التاريخ الحديث. عداء وقطيعة استمرا لسنوات بدأت مع الثورة الإيرانية ولم ينتهيا مع الثورة المصرية. إذ يبدو أن صعود التيارات الإسلامية المتشددة على الساحة السياسية المصرية جعل من عودة العلاقات مع إيران أمراً مستبعداً، وإن انتهت القطيعة وتحولت إلى لقاءات باردة بين الجانبين يسعى فيها الجانب الإيراني إلى التقرب من النظام المصري الجديد، الذي يتخوف من التيار السلفي الحليف الأول له وثاني الاحزاب التي سيطرت على البرلمان المنحل ومجلس الشورى الحالي.
أعضاء التيار السلفي يرون أن الإيرانيين، لكونهم شيعة، فهم أكثر خطراً على الإسلام السني من اليهود. ويعتقدون أن أي علاقة بين مصر وإيران هي لمصلحة الأخيرة وحدها، بينما ستضر كثيراً بمصر. يربطون كل الأمور السياسية بين مصر وإيران برباط الدين، حتى وإن كانت مصر في حاجة إلى الدعم الاقتصادي والسياسي الإيراني، لكن لا شيء أهم من الدين، وإيران تسعى إلى تبديل مذهب المصريين لا شيء آخر، كما يعتقد هؤلاء.
ولعل هذا التوجه انتقل إلى القصر الرئاسي مع حضور مساعد الرئيس المصري لشؤون التواصل الاجتماعي، رئيس حزب «الوطن» السلفي، عماد عبد الغفور، مؤتمر نصرة الشعب الأحوازي في إيران، الذي استضافته القاهرة قبل أيام.
أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، حسن نافعة، يذهب إلى القول إن العلاقات المصرية الإيرانية منذ الثورة الإيرانية تحديداً يمكن تسميتها بغير الطبيعية. العلاقة كانت في أفضل أحوالها بين الرئيس الراحل أنور السادات وشاه إيران محمد رضا بهلوي. وكان السادات يرى نفسه مع بهلوي ركيزتَي السياسة الأميركية في المنطقة، ومن الممكن أن يحتلا موقع إسرائيل في السياسية الاميركية في المستقبل. أما في فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك، فلم يكن هناك أي مبرر حقيقي لحالة الركود في العلاقات بين البلدين، لكن لم تكن هناك محاولات جادة لتحسين العلاقة، وحتى المحاولات التي حدثت انتكست إما بسبب نظر الجانب الإيراني إلى مصر دائماً بأنها تابعة للسياسة الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، وإما بسبب اعتبار مصر أن إيران تسعى إلى التدخل في شؤونها الداخلية. ولهذا كانت تتوقف كل محاولات التقارب بين البلدين. أما بعد الثورة، وفقاً لنافعة، فكان من الطبيعي أن تتجه الدولة عموماً إلى تصحيح علاقاتها الدولية وبما في ذلك علاقتها مع إيران. لكن نافعة يشير إلى أن طبيعة الطرف المسيطر تحكم أي تصحيح للعلاقات، فإذا كانت التيارات الإسلامية، التي قد يكون أغلبها سني المذهب، فهنا يدخل الاعتبار الطائفي والمذهبي. على الجانب الآخر، هناك مخاوف من السياسة الإيرانية، فهناك وفقاً لنافعة، «تدخل واضح من الجانب الإيراني في الشأن الداخلي العربي، فهي تكاد تحتل العراق ولها علاقات قوية بالنظام السوري ومن قبلها علاقاتها بحركة حماس والجهاد، وإيران لديها مشروع امبراطوري».
ويرى نافعة أن المطلوب الآن هو نوع من التغير العقلاني في التعامل مع العلاقات الثنائية بين البلدين، يكون أولها قراراً سريعاً برفع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لمستوى السفراء، وأن يكون هناك علاقات اقتصادية قوية بين البلدين مع الحفاظ على نقاط الخلاف القائمة وتأطيرها.
ويبقى السؤال الأهم: ما الذي تريده إيران من مصر؟ في دراسة أعدتها رانيا مكرم، الباحثة في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام، بعنوان «كيف تفكر طهران؟»، قالت إن إيران ترى في عودة العلاقات مع مصر فرصة لتحقيق عدد من المكاسب، من أهمها كسر الحصار الدولي عليها. ووفقاً للباحثة، فإنه في حال عودة العلاقات مع مصر، ستتمتع إيران بمزايا نسبية، نظراً إلى المكانة الإقليمية التي تتمتع بها مصر، لكونها دولة القلب للوطن العربي ولها كلمة يعتدّ بها في المحيط العربي وتشترك في العديد من التحالفات ولها شبكة واسعة من المصالح. وهو ما يتيح فرصة جيدة لإيران لإفشال سياسة الولايات المتحدة الأميركية الرامية إلى عزلها دولياً وحشد العداء لها، وخاصة بين الدول العربية، من خلال تحسين صورتها الذهنية لدى العديد من الأطراف العربية، بالإضافة إلى ما يمكن أن تسهم فيه عودة العلاقات مع مصر من رفع ضغوط كثيرة على حلفائها في منطقة الهلال الخصيب.
وترى الدراسة أن إيران لديها اعتقاد بأن أي تحسن في العلاقات مع مصر يعني بالضرورة تقليلاً من نفوذ الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، وحداً من تأثيرها في السياسة المصرية بصفة خاصة، ولا سيما مع نجاح ثورة 25 يناير في إسقاط النظام الذي أقام علاقة مع الولايات المتحدة قوامها التبعية.
إذا كان هذا ما تريده إيران من مصر، فما الذي تريده مصر من إيران؟ ينطلق رئيس وحدة دراسات الخليج في مركز الأهرام للدراسات السياسية، محمد السعيد إدريس، في اجابته من القول إن القوى المؤثرة في المنطقة هي أربع (إيران، تركيا، مصر، وإسرائيل)، والمطلوب من مصر أن يكون لديها قدر من التحالفات وأقل قدر من الصراعات مع هذه الدول. ولفت ادريس إلى أن «إيران صراعها الأساسي في المنطقة مع إسرائيل وإيران مطالبة أن تحتوي علاقاتها مع مصر وتركيا لعمل تحالف ثلاثي بينهم يجعل من إسرائيل دولة منبوذة في المنطقة». وأضاف: «أما تركيا فتقول إنها الموازنة للعرب بين إيران وإسرائيل، وفي عام 1979 تحولت إيران من الحليف لأميركا وإسرائيل في المنطقة إلى عدو، وفي العام نفسه تحولت مصر التي كانت تحارب إسرائيل إلى محالف لإسرائيل بعد معاهدة السلام، وبالتالي توترت العلاقة بين مصر وإيران، ووصلت إلى ما دون السفارة. أما إيران فطورت علاقاتها الاقتصادية بتركيا من 6 مليارات دولار إلى 10.5 مليارات دولار وصلت الآن إلى قرابة 22 مليار دولار، بينما العلاقات بين مصر وإيران لا تتجاوز 200 مليون دولار، فيما نرى أن دولة كالإمارات، رغم أن إيران تحتل مجموعة من الجزر التابعة لها، هي أكبر شريك تجاري مع إيران بعد الصين».
وخلص إدريس إلى القول: «سيكون هناك علاقة أفضل بأي حال من تلك التي كانت في ظل نظام مبارك، لكنها لن تكون على المستوى الذي تريده إيران».