تونس | تزايدت الدعوات داخل حزب «التكتل من أجل العمل والحريات» إلى الانسحاب من «الترويكا» التي تجمعه مع حركة النهضة و«المؤتمر من اجل الجمهورية»، في محاولة لتدارك التراجع غير المسبوق في شعبية الحزب. هذه الدعوة إلى الانسحاب لم تكن مفاجئة بالنسبة إلى المتابعين لكواليس الحياة السياسية التونسية، ذلك أنه لا شيء يمكن أن يجعل حزباً له خلفية يسارية (ديموقراطي اجتماعي) يتحالف مع حزب ديني حتى وإن حاول الأخير رفع شعارات مدنية.
انسحاب التكتل من الائتلاف الثلاثي يعني أن سبعة من وزراء وكتاب دولة سيستقيلون من الحكومة. ورجح كل من كاتب الدولة المكلف بالشؤون الأوروبية وعضو المكتب السياسي للحزب، التهامي العبدولي والناطق الرسمي محمد بالنور، الإمكانية الكبيرة للانسحاب على خلفية عدم جدية حركة النهضة في إجراء تعديل وزاري عميق وشامل، وهو المطلب الذي تقدم به الحزب منذ أشهر. واعتبر بالنور أن الالتقاء بين الحزب وحركة النهضة قبل أكثر من عام كان على خلفية مشروع للإصلاح، لكن تبين أن النهضة غير جادة في ذلك، ما يجعل من تمسكهم بالترويكا غير ذي جدوى.
وكشفت تصريحات القياديين في حزب التكتل عن خلافات عميقة داخل المكتب السياسي. إذ يتمسك وزير الشؤون الاجتماعية خليل الزاوية، بالبقاء في الحكومة والترويكا، وهو نفس موقف مصطفى بن جعفر رئيس الحزب ورئيس المجلس الوطني التأسيسي. في المقابل، يرى آخرون أنه لا بد من الانسحاب بعد الفشل الكبير للحكومة وتفاقم الغضب الشعبي، فضلاً عن مسودة الدستور التي جاءت مخيبة للآمال، ولا سيما في ما يتعلق بضمان «الدولة المدنية» التي أكد خبراء القانون الدستوري الكبار مثل عياض بن عاشور والصادق بالعيد وغازي الغرايري أنها لم تعد مضمونة حسب ما جاء في مسودة الدستور. وقد كان المبرر الأساسي للحزب في تمسكه بالتحالف مع النهضة هو الدفاع عن القيم المدنية في الدستور، وهو ما فشل فيه نواب الحزب إلى حد الآن حسب مسودة الدستور الأولى.
وكان الحزب قد عرف موجة استقالات بدأت منذ أن أعلن تحالفه مع النهضة، بعد أن انشقت عنه مجموعات كبيرة لهذا السبب، ما أفقده أغلب أعضائه في المجلس التأسيسي. ويتهم المستقيلون، وعددهم بالآلاف، قيادة الحزب بالتنكر للمبادئ المدنية والديموقراطية للحزب، والاصطفاف وراء حركة النهضة ذات التوجه الديني والمتحالفة مع السلفيين الذين لا يؤمنون بالنظام الجمهوري ولا بمدنية الدولة. وأدت الانشقاقات داخل الحزب الذي حاز على المرتبة الرابعة في عدد المقاعد في المجلس التأسيسي، إلى جعله لا يمتلك العدد الأدنى لتشكيل كتلة وهو عشرة اعضاء.
ضمن هذا السياق، فإن الحزب يحاول أن ينقذ ما يمكن إنقاذه بعدما خسر معظم قواعده في الجهات بل هناك فروع أغلقت نهائياً، بعد أن انشق عنه حزبا «الخيار الثالث» و«التيار الاجتماعي الديموقراطي» (في طور التأسيس). وتحاول قيادة الحزب استعادة المبادرة، بعدما عبرت عن تباين كبير مع حركة النهضة في مجموعة من القضايا الجوهرية مثل الموقف من رابطات حماية الثورة التي أدانها الحزب في أكثر من عملية عنف، وفي ملف الاعلام والقضاء وقانون تحصين الثورة. ويرى عدد من القياديين أن الحزب خسر من تحالفه مع النهضة أكثر مما ربح. واذا كان عدد من أعضاء المكتب السياسي، حسب ما علمت «الأخبار»، يدفع في اتجاه فك الارتباط مع النهضة والمؤتمر، فإن رئيس الحزب لا يزال متمسكاً بهذا التحالف ولا سيما مع النهضة، لأنه الوسيلة الوحيدة التي قد تجعله في السباق الانتخابي. لكن قياديين في الحزب الجمهوري كشفوا عن أن عرض حركة النهضة على نجيب الشابي ترشيحه للانتخابات الرئاسية قد يكون دفع بن جعفر إلى الاقتناع بأن لاخيار له الا الانسحاب حتى يستعيد دوره في الحركة الديموقراطية، ولا سيما أنه معروف بتباينه الفكري والسياسي مع الأحزاب الدينية. وهو ما كان يؤكده في كل الاجتماعات مع أنصاره.
واذا كان انسحاب التكتل من الائتلاف الثلاثي سيضاعف عزلة حركة النهضة، فإنه لن يغير الكثير من موقع التكتل، إذ يعتقد المراقبون أن الحزب خسر موقعه ولم يعد بإمكانه التدارك بعد خسارة مناضليه ومن صوتوا له باعتباره حزباً علمانياً وديموقراطياً، الذين يعدون بحوالي 300 الف. في غضون ذلك، رأى ئيس مجلس الشورى فتحي العيادي، أنهم يتركون الحرية لبن جعفر للانسحاب، لكن عليه أن يعرف أن من ينسحب من الحكومة ومن الترويكا عليه أن ينسحب من كل المناصب.