تونس | بعد عامين من الثورة وعام من حكم حركة النهضة الإسلامية وحليفيها حزب المؤتمر والتكتل من أجل الديموقراطية، يبدو الشارع التونسي منقسماً كما لم ينقسم من قبل، فحركة النهضة وبعض الأحزاب الصغيرة من مسانديها أطلقت الاحتفالات منذ أيام، في حين دعت الأحزاب الأخرى الى التظاهر في الشارع لتجديد مطالب الثورة «المغدورة» ومقاطعة الاحتفالات مثلما جاء في تصريح الزعيم التاريخي لليسار، المتحدث الرسمي باسم الجبهة الشعبية، حمة الهمامي. أحزاب المعارضة الأساسية انقسمت إلى مجموعتين: مجموعة تضم الحركة الشعبية والحزب الجمهوري وحزب المسار الديموقراطي الاجتماعي. والثانية تضم نداء تونس وحزبي الاشتراكي والعمل الوطني الديموقراطي. وسينظم كل من الائتلافين اليوم مسيرة في شارع بورقيبة، حيث يُخشى الاشتباك بين أنصار المعارضة وأنصار الحكومة من رابطات حماية الثورة والسلفيين، الذين دعوا هم أيضاً للتظاهر، وأنصار حركة النهضة. وتأتي الذكرى الثانية للثورة وسط احتقان اجتماعي غير مسبوق، ففي كل الجهات تقريباً قطع للطرق واعتصامات في الشارع؛ في بن قردان تتواصل الاحتجاجات التي أدت الى اطلاق الرصاص والغازات المسيلة للدموع وحرق مركز أمني واقتحام مقر لحركة النهضة. هذه المدينة الحدودية مع الجارة ليبيا تُعتبر من أكثر المدن التي صوتت لحركة النهضة في الانتخابات السابقة، ومنها ينحدر رجل النهضة القوي، وزير الداخلية، علي العريض.
كما تتواصل احتجاجات الصيادين في جزيرة قرقنة، حيث وصلت للمرة الأولى إلى قرية الفوار على الحدود الجزائرية، فيما أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل في مدينة الكاف (شمال) الإضراب العام بعد غد الأربعاء، غداة اقتحام محتجين مركز محافظة القصرين في الوسط الغربي للبلاد، حيث أحرقوا قاعة الانتظار. ولم تبق مدينة واحدة تقريباً خارج الاحتجاجات المطالبة بالتنمية ولتشغيل.

الحوار والمحاسبة

في الوقت الذي نظّمت فيه حركة وفاء (منشقة عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) مؤتمراً للمحاسبة، طالبت فيه بتصحيح مسار الثورة ودعت الى محاسبة الفاسدين في كل القطاعات واعتبرت الحكومة غير جادة في هذا، دعا رئيس الجمهورية المؤقت، محمد المنصف المرزوقي، الى حوار وطني واسع وشامل. واستقبل رؤساء أبرز الاحزاب بما فيها الاحزاب المحسوبة على النظام السابق والمتهمة بإعادة إدماج «التجمعيّين» الذين كانوا يحكمون البلاد.
وقد رحّبت كل الأحزاب بالحوار من دون استثناء أي طرف، بما فيها زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، الذي قال انه لا بد من حوار من دون إقصاء للوصول الى تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة. واعتبر ان عدم الوصول الى الوفاق يعني «صوملة» البلاد أو «عسكرتها».
واعتبر تصريح الغنوشي تمهيداً لتخلي النهضة عن تقديم مشروع قانون الى المجلس الوطني التأسيسي، الذي تملك فيه أكبر عدد من المقاعد، لإقصاء مسؤولي النظام السابق من الحياة السياسية ومن المسؤولية في الدولة لمدة عشر سنوات، وتساندها في ذلك كتلة المؤتمر وحركة وفاء وبعض المستقلين.
وأدانت معظم القوى السياسية والنقابية والحقوقية هذا المشروع واعتبرته يتناقض مع مبادئ حقوق الإنسان لأنه يندرج في باب العقاب الجماعي ويحرم مواطنين من ممارسة حقوقهم السياسية، وبينها الانتخابات. ودعت هذه القوى الى تفعيل العدالة الانتقالية والتسريع بمحاكمة التمورطين في قضايا فساد.

مسؤولية الحكومة

تُحمّل المعارضة الحكومة وحركة النهضة ما آلت اليه أوضاع البلاد المهددة بالإفلاس الاقتصادي وتطالب بفتح حوار حول الأولويات ورسم خريطة طريق واضحة لطمأنة التونسيين، وخصوصاً تشكيل هيئة عليا للانتخابات تتولى تحديد موعدها ورفع اليد عن القضاء والإعلام وتحسين مطالب الثورة، وأهمها التشغيل وحرية الاعلام واستقلالية القضاء.
لكن الحكومة لا ترى هذا، بل تعتبر ان المعارضة غير جدية ولا تملك اقتراحات ولا بدائل. وهو رأي «النهضة» التي حاولت توسيع الائتلاف الحاكم، لكنها اصطدمت برفض الأحزاب الكبرى مثل الحزب الجمهوري (كان اسمه التجمع الديموقراطي التقدمي) المعارض الشرس لنظام بن علي، والذي حمى الإسلاميين ودافع عنهم في سنوات القهر. وتعتبر النهضة أنها تتعرض لمؤامرة متعددة الأطراف لأن هناك «لوبيات» في الاقتصاد والإعلام، لا تريدها ان تحكم، ولا تريد لتجربة الإسلاميين في الحكم ان تنجح، وذلك بتضخيم أخطاء الحكومة وعثراتها وتأليب الرأي العام ضدها.