خطبة الشيخ والداعية السعودي محمد العريفي، التي ألقاها في السعودية في 14 كانون الأول الماضي، وحملت عنوان «فضائل مصر»، التي أعقبها بخطبة أخرى أمس الجمعة من مسجد عمرو بن العاص في القاهرة، وسبقها بيومين استقباله والثناء عليه من قبل شيخ الأزهر أحمد الطيب، مثلت مدخلاً لعودة السجال والاستقطاب «الإسلامي – العلماني» في مصر بعد فترة «هدنة» بين التيارين. وأخذ الاستقطاب أكثر من منحى. فبعد انقشاع غبار الاستفتاء، بدأت مؤسسات رسمية تحتفي بخطبة العريفي في السعودية، التي احتوت على فضل مصر ومنزلتها بين الأمم، وهو ما عاد وكرره أمس، فضلاً عن تشديده على التوصية بالأقباط خيراً، فضلاً عن دعوته المستثمرين إلى القدوم إلى مصر والاستثمار وضخ رؤوس الأموال فيها.
وإلى جانب احتفاء الأوساط الشعبية بالخطبة، أرسلت وزارة التربية والتعليم توصية إلى مديريات التربية والتعليم بالاستفادة منها، فيما قام مدير الإدارة التعليمية في محافظة جنوب سيناء بتوزيع أسطوانة مدمجة على مدارس المديرية للاستفادة من الخطبة. أما جريدة الأهرام الرسمية، فتولت اعادة نشر نص الخطبة كاملة، وهو ما دفع أحد باعة الصحف في منطقة باكوس في الإسكندرية إلى وضعها في إطار وتعليقها على باب محله.
هذه الحفاوة أثارت حفيظة عدد غير قليل من المصريين لأسباب متعددة. الصحافية عُليا تمراز أوضحت لـ «الأخبار» أن «المشكلة في طريقة الاحتفاء هذه أنها كشفت مدى عدم التقدير الذي يشعر به الشعب المصري لنفسه، فكل ما حدث أن شيخاً غير مصري قال ما يعرفه الكثير، وموجود في الكتب من مئات وعشرات السنين». وتساءلت «إذا جاء شيخ سعودي آخر وقال كلاماً سيئاً فسنحتفي به ونقدره»، مشددةً على أن هذا الأمر «يعكس عدم وعي كافٍ بالذات».
واستنكر علمانيون وجود شيخ سعودي على منبر بثقل مسجد عمرو ابن العاص، معتبرين أن الأمر يأتي في سياق احتفاء الإسلاميين بعلماء السعودية، الأمر الذي جعل بعضهم يرى الأمور بوصفها استلاباً لمشايخ السعودية. وعدّوا دعوته إلى الاستثمار في مصر بأنها نوع من «التسول» الذي لا يليق بمصر، بادئين حملة ضد العريفي بنشر مقاطع مصورة له اعتبروها تحتوي على فتاوى «شاذة أو متطرفة».
على الجانب الآخر، بدأت الأغلبية من المصريين، ولا سيما الإسلاميين منهم، بتفنيد هذه الادعاءات، لافتين إلى أن الاحتفاء جاء لأن حديث العريفي يكشف أنه لا يزال في الخليج والسعودية من يعرف قدر مصر ولم ينس فضلها. ورأوا أن هجوم العلمانيين يأتي للاحتفاء «الشعبي» بالعريفي، بما يحسم من رصيد العلمانيين، ويؤصل للهوية الإسلامية في مصر، وهي على أعتاب انتخابات مصيرية، مطلقين في الوقت نفسه حملة مضادة لتفنيد ما عدّوه «أكاذيب وتدليساً» للمقاطع المصورة التي يستخدمها المناهضون والعلمانيون للعريفي.
أما أحمد زغلول الباحث في الشأن السلفي، فأوضح لـ«الأخبار» أن العريفي ينتمي إلى ما يعرف بتيار الصحوة في السعودية، وهو مزيج ما بين الإخوان والسلفيين، وليس مقرباً من الأسرة الحاكمة، واصفاً محتوى الخطبة دعوياً واجتماعياً بأنه جيد جداً. إلا أنه اعتبرها سياسياً «محاولة لإحداث توافق حول النظام العام في مصر بين القوى السياسية المختلفة».
أما الباحث في الشأن الإعلامي وتحليل الخطاب، أنس حسن، فأشار إلى أن «من يقول كيف لسعودي أن يصعد منبراً مصرياً، هو نفسه من لا يرى مشكلة في أميركي يعتلي منصة إعلامية مصرية أو لبنانية تذيع برنامجاً داخل مصر، لكنه يريد أن يخضع الدين لحدود رسمها بينما يرى لنموذجه كافة الحرية في تخطي كل الحدود».