في عملية اتّسمت بطابع سرّي، استطاعت طهران عبر دبلوماسيتها في المنطقة أن تؤمّن الإفراج عن العشرات من محتجزيها لدى «الجيش السوري الحر» منذ شهر آب الفائت. أتى ذلك في إطار صفقة تبادل أدّت، أيضاً، إلى إطلاق السلطات السورية سراح أكثر من ألفي معتقل في سجونها.
أطلق المقاتلون المعارضون 48 إيرانياً محتجزين منذ أشهر مقابل إفراج النظام عن أكثر من ألفي معتقل. ووصل الرهائن، بعد ظهر أمس، على متن حافلات صغيرة إلى فندق شيراتون وسط العاصمة السورية. وكان في استقبالهم السفير الإيراني في دمشق محمد رضا شيباني، وعدد من الديبلوماسيين.
وتعدّ هذه العملية أكبر تبادل للأسرى في النزاع المستمر منذ ما يقارب سنتين، وهي الأولى التي تعلن رسمياً. وفي مؤتمر صحافي عقده في الفندق، قال شيباني إنّ إطلاق هؤلاء تمّ بعد مفاوضات «شاقة وطويلة، وكانت هناك شروط صعبة من الجهات الخاطفة. لكن مع استمرار العمل مع الجهات الداخلية والإقليمية، وفّقنا الله لإطلاق سراح الأعزاء»، آملاً «ألا تتكرر مثل هذه الأمور والمآسي غير الإنسانية».
كذلك قال شيباني إنّه «لا يزال هناك مهندسان إيرانيان قيد الاحتجاز، ونأمل إطلاق سراحهما في أقرب وقت ممكن»، في إشارة إلى عدد من المهندسين الذين خطفوا في حمص في كانون الأول الماضي، وأفرج عن بعضهم دون الباقين. وأضاف أنّ الرهائن المفرج عنهم سيبقون في دمشق ليومين، حيث يجرون فحوصاً طبية، على أن يزوروا مقام السيدة زينب قبل أن يعودوا إلى بلادهم. وقال إنّ الجانب الإيراني «لم يبحث بعد» في سبل إعادتهم، لكنّ «العودة عن طريق البرّ ستكون صعبة». في موازاة ذلك، أشادت وزارة الخارجية الإيرانية بمساعي سوريا وقطر وتركيا للإفراج عن مواطنيها.
من جهته، قال نائب رئيس مؤسسة الإغاثة الانسانية التركية الاسلامية، عزت شاهين، الذي شارك في المفاوضات، إنّ الرهائن أحضروا «من الغوطة الشرقية (في ريف دمشق)، وتعرضنا لمخاطر بسبب الاشتباكات وعمليات القصف التي كانت تدور في المنطقة». وأضاف أنّ المفاوضات شملت المؤسسة «والدولة السورية والمعارضة المسلحة، إضافة إلى الدولة التركية». وأوضح أنّ «التفاوض مع الجهات الرسمية السورية تكلّل بإطلاق سراح 2130 معتقلاً» في السجون السورية. وأوضح أنّ إطلاق سراح المعتقلين المدنيين تمّ منذ صباح أمس، وخصوصاً في دمشق، وحمص، وإدلب، واللاذقية، وطرطوس، ومن بينهم أربعة أتراك.
وكان أحمد الخطيب، أحد المتحدثين باسم «الجيش السوري الحر» في دمشق وريفها، قد قال في اتصال مع وكالة «فرانس برس»، إنّ الصفقة تشمل «إطلاق سراح 2135 معتقلاً لدى النظام، بينهم أسماء مهمة، مقابل الأسرى الإيرانيين»، معلناً أن الصفقة جرت «برعاية قطرية تركية، وتدخّل إيراني مع النظام».
وكان مقاتلون معارضون ينتمون إلى «كتيبة البراء»، التابعة للجيش السوري الحر، قد بثّوا على الإنترنت في الخامس من آب الماضي شريطاً مصوّراً أعلنوا فيه خطف الإيرانيين، قائلين إنّ من بينهم ضباطاً في الحرس الثوري. ونفت طهران صحة هذه المعلومات، لتعود وتقول بعد أيام إنّ بين الرهائن الذين كانوا يزورون عتبات دينية مقدسة، عسكريين «متقاعدين». وطلبت إيران مساعدة الأمم المتحدة في إطلاقهم، وتواصلت للغاية نفسها مع تركيا وقطر.
ميدانياً، تواصلت المعركة داخل مطار تفتناز العسكري في إدلب مع تقدّم المقاتلين المعارضين، كما شهدت مناطق مختلفة عمليات قصف واشتباكات تركّزت في ريف دمشق. وسيطر مقاتلون سوريون معارضون، أمس، على مساحات واسعة في مطار تفتناز العسكري في إدلب، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الانسان.
وقال المرصد «لا تزال الاشتباكات مستمرّة بين القوات النظامية ومقاتلين من جبهة النصرة، وأحرار الشام، والطليعة الإسلامية داخل المطار، بعدما استطاع المقاتلون اجتياز أسوار المطار والاستيلاء على مساحات واسعة منه وإعطاب عدد من المروحيات».
من جهته، أبلغ مصدر عسكري سوري وكالة «فرانس برس» أنّ المقاتلين شنّوا هجوماً عنيفاً على المطار، مشيراً إلى أنّ «الطائرات والمدفعية ساندا عناصر حماية المطار، حيث تمّ تدمير ثلاث دبابات كانت بحوزة المسلحين». كذلك أفاد المرصد عن اشتباكات في محيط مطارات كويرس، ومنغ، والنيرب في ريف محافظة حلب. وفي مدينة حلب، قتل تسعة أشخاص جرّاء أعمال قصف وقنص في مناطق عدة من المدينة.
وفي ريف دمشق، قتل شخصان إثر سقوط قذيفة هاون على مدينة جرمانا، بينما استمرت الاشتباكات وأعمال القصف في مناطق محيطة بدمشق، لا سيما دوما، التي تحاول القوات النظامية منذ فترة استكمال السيطرة عليها. كذلك تحدث المرصد عن «انفجارات في محيط مبنى إدارة المركبات بين مدينتي عربين وحرستا، تبعها إطلاق نار كثيف».
وفي العاصمة، قال المرصد إنّ مسلحين مجهولين «اغتالوا المحامي حاتم ديب إثر إطلاق الرصاص عليه داخل مكتبه في منطقة عين الكرش»، بينما، حمّلت وكالة «سانا» «مجموعة إرهابية مسلحة» المسؤولية عن الأمر، وذلك في «إطار استهدافها للكوادر والخبرات الوطنية».
وفي محافظة حمص، قتل أربعة أطفال من عائلة واحدة، في وقت متأخر من ليل أول من أمس، جرّاء غارة جوية نفذتها طائرات حربية على قرية جباب حمد، بحسب المرصد.
في موازاة ذلك، أفاد المرصد أنّ «مقاتلين من عدة كتائب هاجموا ليل الثلاثاء مفرزة للمخابرات عند مدخل بلدة الفرقلس، ما أدّى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف عناصر المفرزة».
وفي محافظة إدلب، تعرّضت الأحياء الغربية من مدينة معرّة النعمان للقصف، بحسب المرصد الذي لم يتحدث عن سقوط ضحايا.
في سياق آخر، هبطت طائرتا شحن أميركيتان تحملان أجزاء بطاريتي صواريخ باتريوت في قاعدة «إنجرليك» الجوية التركية، أمس. وقالت قيادة القوات الأميركية في أوروبا إنّه سيجري نقل نحو 400 عسكري أميركي وعتاد عسكري إلى تركيا خلال الأيام القليلة المقبلة، من خلال جسر جوي. وستُنشر البطاريتان الأميركيتان قرب مدينة غازي عنتاب، التي يسكنها 1.5 مليون نسمة، وتقع على بعد حوالى 60 كيلومتراً من الحدود السورية.
(أ ف ب، رويترز، أ ب، سانا)