استعرضت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «امان» امام هيئة اركان جيش العدو، تقديرها الاستراتيجي السنوي، كما في كل عام، ركزت فيه على التهديدات المحتملة المحدقة بالدولة العبرية، على المستويين الاقليمي والدولي.ومن أبرز ما ميّز المضامين التي وردت في التقرير، ونشرتها صحيفة «يديعوت احرونوت»، خلوه من عرض الفرص الكامنة في المسارات الاقليمية والدولية، انطلاقا من أن الاستخبارات عادة ما تركز على التهديدات ووضعها امام صانع القرار تمهيدا لوضع استراتيجية مضادة على المستويات الامنية والسياسية والاقتصادية.

مع ذلك، لفت التقرير ايضا إلى أن الاستخبارات العسكرية تعتبر أنه في هذه المرحلة، من غير الممكن بل ومن المبالغ به، عرض تقديرات لمدة سنة. وسبب ذلك، انعدام اليقين وغياب الاستقرار وامكانية نشوب احداث تزعزع المنطقة، من دون انذار مسبق. ونتيجة ذلك، ترى الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، أنها قادرة على تقديم تقديرات دقيقة للاشهر الاولى من العام 2015، فقط.
بدأت تقديرات الاستخبارات العسكرية، في رسم المشهد الاقليمي من الزاوية الدولية. ولخصت الواقع بالعبارة التالية: في الشرق الاوسط لا يوجد راع دولي قادر على اجراء توازنات وتعاون دولي يحقق تهدئة اقليمية. ولفت التقدير الى ان الولايات المتحدة لا تتحرك من دون تحالفات. وهو ما برز في «التحالف الدولي» الذي عقدته للعمل في العراق، وتحالف عربي في سوريا. في المقابل، يضيف التقدير ان روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، تبذل جهودا لزيادة نفوذها في المنطقة من خلال سوريا. واكد ايضا أن الرئيس الاميركي، باراك اوباما، ما كان ليعمل على معالجة تهديدات «داعش»، وما كان لينزل عن السور، من دون تحالف ما، من «اجل مساعدة القوات السنية المعتدلة في سوريا والاكراد في العراق».
لجهة سوريا، رأى التقدير أن سوريا الكبرى لم تعد قائمة. وما هو قائم الان هو «سوريا الصغرى» تحت سيطرة الرئيس بشار الأسد، والتي تشكل نحو 20 الى 30% من الدولة. اما ما تبقى من المناطق فهو عبارة من الكانتونات تسيطر عليها تنظيمات مسلحة معتدلة ومتطرفة ارهابية. وجميع هؤلاء يحارب بعضه بعضا. ورأى ايضا ان الثمن الذي تقبضه اسرائيل جراء المساعدة الانسانية التي تقدمها لـ «الجيش السوري الحر» هو انتشار جماعات سنية معتدلة، على طول جزء كبير من هضبة الجولان، ووجهة هؤلاء نحو الداخل السوري.
في المقابل، يلفت التقرير الى انه في القرى الدرزية التي تقع شمال القنيطرة، يوجد بؤرة عمل معادي لاسرائيل في هضبة الجولان، يتم تحريكها من حزب الله والجيش السوري. ويحذر التقرير من أن يكون الرئيس السوري ما زال مستمرا في اخفاء مواد كيميائية.
في سياق متصل، يرى التقدير أن الخبراء الروس والايرانيون، الذين يعملون جنبا الى جنب توصلوا الى استنتاج بأن الجيش السوري لن يتمكن من إحداث انقلاب في المشهد الميداني. لذلك هم يحاولون، والاميركيون ينجرون وراءهم، للتوصل الى حل وسط بين المتمردين والاسد يتم فيه تقاسم السلطة في سوريا.
ووصف التقدير الصورة المتصلة بايران بالمعقدة. واعتبر أنه ليس واضحا حتى الصيف المقبل، ما إن كان سيتم التوصل الى اتفاق بين ايران والسداسية الدولية حول برنامجها النووي. ويقدرون في الاستخبارات العسكرية، أن اتفاقا كهذا سيكون سيئا بالنسبة لاسرائيل، لكن من جهة مقابلة، سيسمح التوقيع على الاتفاق بتقدير أكثر يقينية تجاه سلوك حزب الله على الحدود الشمالية مع اسرائيل. اما في حال عدم التوصل الى اتفاق، فيمكن لايران أن تكسر قواعد اللعبة. ويمكن ان تؤدي الى الخيبة من الرئيس حسن روحاني واستمرار اليأس الاقتصادي، وإلى اعادة الحرس الثوري الى السلطة. ووصف التقدير هذه المسارات بالدراماتيكية التي يمكن أن تؤثر فورا على الحدود الشمالية. مع ذلك، أقر التقدير بصعوبة التنبؤ بذلك في هذه المرحلة.
وتناول التقدير الاستخباري ايضا مسألة «انهيار الدولة القومية». ليبيا مقسمة الى ثلاث دول. والسودان انقسمت الى قسمين. اليمن وسوريا والعراق مفككة. وتتوقع الاستخبارات العسكرية أن يمتد هذا الامر الى دول اخرى ويتعمق أكثر في الدول المفككة حاليا. ولفت ايضا الى وجود «مركبات لداعش، سياسية وليست عسكرية، في الوقت الحالي في منطقة معان في الاردن».
وحددوا في الاستخبارات العسكرية اربعة معسكرات في الشرق الاوسط تحارب بعضها البعض، بينما تقف إسرائيل في موقع المراقب، حتى الآن، وتتلقى شظايا من حين لآخر.
الأول، هو «المعسكر الشيعي» الذي يشمل ايران، سوريا، حزب الله، الجهاد الاسلامي والحوثيين في اليمن. ويحاول هذا الخط معانقة «حماس» في هذه الايام. وفي الاسابيع الاخيرة أعلن مسؤولون ايرانيون أنهم يريدون نقل مساعدات عسكرية إلى «حماس» في الضفة.
الثاني، «المعسكر المعتدل»، ويضم مصر والأردن والسعودية ودول الخليج، وانضمت إليه قطر مؤخرا. ويمكن لهذا المعسكر إبعاد «حماس» عن إيران ويعطي دفعة اخرى لاعمار القطاع بمشاركة السلطة الفلسطينية.
الثالث، الذراع السياسية لـ «الاخوان المسلمين» في غزة، وهم موجودون في غزة وإسرائيل والأردن ومصر وسوريا. ويقدرون في الاستخبارات العسكرية، أن مظاهرات «الإخوان» ستعود إلى الميادين في مصر والأردن.
الرابع، «معسكر الجهاد السني»، ويشمل «داعش» و «النصرة»، و «أنصار بيت المقدس» في سيناء، كما يشمل عشرات التنظيمات الصغيرة التي تدور في فلكها.
وهناك تهديد آخر تتخوف منه إسرائيل وهو «السايبر»، وتأخذ الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في حساباتها احتمال مهاجمة شبكاتها العسكرية والمدنية. وتشير ايضا الى تغيير في تفعيل قوة العدو، لجهة أن حزب الله و «حماس» انتقلا الى طرق دفاعية واستنزافية من خلال مهاجمة المناطق الاسرائيلية. ويشدد كل منهما على ضرب اسرائيل بأسلحة دقيقة، صواريخ بر ــ بحر، وطائرات من دون طيار وقذائف متطورة. ومن الدروس العملية للحرب الاخيرة على قطاع غزة، ادخال صواريخ قصيرة المدى لكنها تحمل رأساً متفجراً كبيراً يمكنه تدمير مباني. في المقابل يملك حزب الله، وفقاً للتقرير، صواريخ «فرقان» يبلغ مداها 4 ــ 5 كلم لكنها تحمل رؤوسا تدميرية ضخمة. وترى الاستخبارات العسكرية أن حزب الله جاهز في الجنوب للأمر الايراني اذا ما شعرت ايران بالتهديد.
من جهة اخرى، يرى التقدير الاستخباري أن هناك أمرين اضافيين سيحددان وجه عام 2015: الانتخابات في اسرائيل وتأثير تراجع اسعار النفط على مصدري النفط في المنطقة، لكنه يرى أن السعودية ودول الخليج وضعت احتياطياً مالياً يُمكّنها من تجاوز تراجع الاسعار بسلام. في المقابل، في ايران والعراق وليبيا، من شأن ذلك اسقاط الانظمة وزيادة الفوضى. ويستطيع الروس أيضاً، وفقاً للتقدير الاستخباري، تغيير سلوكهم في الشرق الاوسط على ضوء التراجع الدراماتيكي في ايرادات النفط والتصرف بشكل عنيف أكثر من اجل كسر ما يعتبرونه مؤامرة اميركية لتدميرهم. ووصف التقدير عدم تمكن الاستخبارات العسكرية من رصد «موجة تسونامي تحمل جهاديين»، وربما دولا متضررة من السياسة الأميركية، مثل إيران، إلى داخل إسرائيل، بالكابوس الذي يؤرق ضباط «امان» حاليا.