غزة | يعاني مصنع الأدوية، الوحيد في قطاع غزة، الأمرّين، فالصراع حاد بين ما ينتجه ومئات أنواع الأدوية المنافسة، سواء المستوردة من الضفة المحتلة أو من بقية دول العالم، إضافة إلى العراقيل التي تستمرّ إسرائيل في نصبها أمامه، فهي التي لم تكتفِ بمنعه من استيراد المواد الخام، بل لجأت، أكثر من مرة، إلى تدميره جزئياً.
وتقوم صناعة الأدوية في فلسطين المحتلّة على ثمانية مصانع، سبعة منها في الضفة، ومصنع وحيد في غزة. وفيما نجحت مصانع الضفة في تغطية 50% من احتياجات القطاع الدوائية، فإن النسبة المتبقيّة تغطيها الأدوية المستوردة من دول أخرى، إضافة إلى ما ينتجه المصنع «اليتيم» في غزة، علماً بأن الدواء الإسرائيلي قليل الوجود في صيدليات الغزيين.

يقول مدير شركة «الشرق الأوسط» لصناعة الأدوية ومستحضرات التجميل في غزة، مروان الأسطل، إن «أسواق القطاع تمتلئ بأصناف الدواء، الأجنبية والعربية، منها ما يطابق المواصفات المطلوبة وأخرى لا».
وتنتج شركات الأدوية المحلية (في الضفة والقطاع) ما مجموعه 765 صنفاً مسجلة في وزارة الصحة. ويوضح الأسطل أنّ إنتاج الشركات المحلية يتميز بالتشابه الكبير، وغياب التخصّص في خطوط الإنتاج بين الشركات، «أو التخصّص في الأشكال الدوائية إلى حدّ كبير»، مضيفاً لـ«الأخبار»: «شركة الشرق الأوسط هي المصنع الوحيد لإنتاج الأدوية في القطاع، وقد تأسّست عام 1994، وبدأت الإنتاج عام 1999... شرعنا في تصنيع ستة أصناف من الدواء، ثم ارتفع العدد إلى 12 صنفاً خلال أعوام حتى وصلت الكمية الإنتاجية الآن إلى أكثر من 70 نوعاً».
ويلفت مدير الشركة إلى أن ثمّة اختلافاً في متطلبات وأساليب التسجيل للأدوية بين الضفة وغزة، إذ لا تخضع جميع مصادر الأدوية لمتطلبات التسجيل نفسها، إلى جانب «غياب سياسة دوائية واضحة المعالم تعمل على تنظيم عملية استيراد الأدوية وتحديد الأصناف والكميات، وأماكن الاستيراد، وحتى تنمية وتطوير قدرات المنتجين المحليين». ويتابع: «ينتج مصنع غزة المضادات الحيوية والمسكنات والمراهم على أنواعها، وبعض الحبوب وشراب السعال، والكريمات التجميلية»، مؤكداً في الوقت نفسه أنّ جميع هذه الأصناف تخضع لمطابقة المواصفات العالمية، «فهناك بعض الفنيين الذين يتخصصون في إعداد التركيب الدوائي ضمن مقاييس معينة، وهناك عينة من كلّ تركيب يجرى عليها اختبار نهائي، ثمّ توضع في قسم الإنتاج لتعبئتها داخل زجاجات معقمة نستورد بعضها من دول كفرنسا واليونان وتركيا».
الضفّة تغطّي 50% من احتياجات غزة الدوائية والبقية تغطيها المستوردة وما يصنع في غزة

وللدواء المصري قصة أخرى في غزة، إذ ازدهر وجوده بأسعار زهيدة خلال عمل الأنفاق الحدودية بين رفح ومصر قبل تدميرها في العام الماضي. لكن الحكومة السابقة في غزة، التي كانت تتولى دفتها حركة «حماس»، منعت بيع الدواء المصري بدعوى أنه غير مطابق للمواصفات ويصعب التأكد من سلامة محتوياته، لكن صيادلة، كانوا يبيعونه سراً، أكدوا أن سبب المنع يعود إلى العلاقة بالمصنعين المحليين.
ومن المعروف أنّ الدواء يمرّ بمراحل عديدة قبل وصوله إلى المستهلك، وهنا يشير الأسطل إلى فقدان مصادر تمويل كافية لتحديث المصنع في غزة وتوسيعه، بغية تطبيق مبادئ «التصنيع الجيد»، إضافة الى مشكلات استيراد المواد الخام بسبب الإجراءات المعقدة على المعابر، والإغلاقات الإسرائيلية المتكررة.
رغم هذه المشكلات، فإن صناعة الأدوية في القطاع تحظى بفرص كبيرة لتطويرها، وفق المدير الذي يقول إنّ شركته سجّلت نجاحاً في فحص العينات، ومطابقتها «المواصفات العالمية في الأردن والجزائر».
وقد اعتمدت الشركة شعار «GMB» لتضعه على منتجاتها، وهو علامة «التصنيع الدوائي الجيد». كذلك تقول إنه كان بإمكانها تصدير منتجاتها إلى عدد من الدول المجاورة خلال عام 2007، لولا الحصار الذي فرضه الاحتلال. أما عن المواد الخام، فهي تأتي من الهند والصين وهولندا، لكن الأسطل يقول: «رحلة المواد الخام تحتاج إلى شهرين أو يزيد. فعملية الإدخال تحتاج إلى تصريح من إسرائيل التي تفرض رقابة مشدّدة على كل ما يدخل القطاع». ويكمل: «حصلت الشركة في النهاية على تصريح وموافقة، وكان هذا التصريح يقضي بمواصفات يحددها الجانب الإسرائيلي... الكثير من المواد احتجزت لمدة 20 يوماً، وذلك لفحصها والتأكد من أنها تستخدم لإنتاج الأدوية الطبية فقط، وليس لأغراض أخرى».
وتشدد إسرائيل الرقابة على بعض المواد التي تصل عبر معبر «كرم أبو سالم» تحت ذريعة إمكانية استخدامها لأغراض عسكرية. وكانت قد منعت دخول المواد الكيماوية لمدة عام ونصف، بداية عام 2007. لذلك يشرح الأسطل أن المواد الخام التي تدخل تكفي لمدة ستة أشهر فقط، مضيفاً: «منعنا من تصدير منتجاتنا الدوائية إلى الضفة، وتسويقها خارج القطاع، رغم اجتياح منتجات الضفة أسواق غزة».
وسبق أن تعرّض مصنع الأدوية لأكثر من محاولة لتدميره خلال الحروب الثلاث على غزة، ما ألحق به خسائر فادحة، وصلت في الحرب الأخيرة إلى قرابة مليون دولار أميركي، وأدّى قصفه إلى تعطل اللوحات الإلكترونية الخاصة ببرمجة عمل آلات وماكينات صناعة الأدوية، لذلك توقف عن إنتاج 65 صنفاً.
ومع أن العشرات من الأصناف الدوائية يجري إنتاجها داخل القطاع، يوضح المدير العام للصيدلية في وزارة الصحة في غزة، أشرف أبو مهادي، أن هذه الأصناف لا تغطي إلا مساحة محدودة من السوق الدوائية. كذلك فإنّ «مخازن وزارة الصحة تعاني استنزافاً شديداً في بعض أدوية الطوارئ والعناية الفائقة، من بعد الحرب الأخيرة التي أنهت رصيد هذه الأدوية». ويصف أبو مهادي الوضع الدوائي في غزة بـ«الضعيف»، لأنه يفقد أدوية الرعاية الأولية «وأمراض الأورام والأوبئة، وتجري تغطية هذا العجز عبر مصنع الدواء الوحيد في غزة».
ويضيف أبو مهادي لـ«الأخبار»: «هناك العديد من الشركات خارج القطاع تصدر إنتاجها من الأدوية من دون عراقيل من الجانب الإسرائيلي، وذلك عبر وكلاء معتمدين لتوزيع الدواء، كذلك توجد حصّة يجري تداولها من الأدوية المصنعة في أراضي الداخل المحتل، وسمح لها بدخول القطاع». متابعاً: «تصل تكلفة الأدوية التي تحتاج إليها غزة إلى 2.5 مليون دولار، فيما تصل الاحتياجات الدائمة من الأدوية إلى 460 صنفاً تعاني المؤسسات الطبية في الحصول عليها».