شنت طائرات العدو هجمات جوية على قطاع غزة استهدفت مركز تدريب لحركة «حماس»، ومصنعاً لإنتاج (الباطون) وفق الرواية الإسرائيلية، التي استثمرها رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لتوظيفها في حملته الانتخابية، وتوجيه رسائل تهديد إلى الحركة الإسلامية. لكن السبب الميداني كان إعلان العدو العثور على بقايا صاروخ في منطقة مفتوحة تابعة للمجلس الاستيطاني «أشكول» قبلها بساعات.
بغض النظر عن حقيقة الجهة التي أطلقت الصاروخ المفترض، ومن يقف وراءها، يبدو أن إسرائيل رأت فيه رسالة فلسطينية تتصل باستمرار الحصار على القطاع، والحؤول دون إعادة إعماره بعد الحرب التدميرية الأخيرة. ومن الأساس، سبق قصة الصاروخ الحديث عن تقديرات إسرائيلية مفادها أن استمرارية معاناة الفلسطينيين ستؤدي إلى «الضغط الأمني في جنوب إسرائيل». مع ذلك، فإن هذه المخاوف تنطوي أيضاً على اعتقاد بأنّ «تل أبيب» لم تتمكن من إنتاج معادلة ردع قادرة على توفير أمن مستقر وخاصة في الجنوب. استناداً إلى ذلك، يعيش سكان المستوطنات في تلك المنطقة حالة قلق ارتفعت وتيرتها في أعقاب سقوط هذا الصاروخ. فقد زادت الهواجس من إمكان العودة إلى تبادل الرسائل النارية، وصولاً إلى التدحرج نحو مواجهة.
في المقابل، حضرت المخاوف لدى قادة العدو، الذين واصلوا، منذ انتهاء الحرب سياسة «السيف المصلت» ضد «الصواريخ المتقطعة». وعلى المستوى الأمني، يقدّر الإسرائيلي أنّ عدم الرد سيؤدي إلى تصاعد إطلاق الصواريخ. لكن ما لا يستطيع ضمانته هو ألا تؤدي اعتداءاته في غزة إلى تعزيز ردعه، وخاصّة مع تقديره أنه مع الصواريخ، أو دونها، ستبقى المعاناة على ما هي عليه، بل إن محاولة رفعها نسبياً قد تستحق مزيداً من التضحيات. والسبب انعدام الخيارات البديلة.
أيضاً، يأتي قصف العدو لغزة بالتزامن مع تقدير الاستخبارات العسكرية «أمان» لعام 2015، أن المواجهة المسلحة يمكن أن تستأنف مع القطاع أولاً، ومع الضفة بقوى متغيرة. هذا التقدير إلى إصدار أوامر بالاستعداد لسيناريو مشابه، كما كشف معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، الذي قال: «على خلفية تقويم الوضع، فإنّ كلّ شعلة تضيئها حماس، والسلطة الفلسطينية أو إسرائيل، تلقى رداً متشدّداً... حتى لو كان الحديث يدور عن حدث محلي محدود لا يفترض أن تكون له آثار فورية على أمن المنطقة».
في الجانب السياسي، قد تبدو الانتخابات كأنها نقطة ضعف نتنياهو. لذلك يمكن الحديث عن مخاوف إسرائيلية من أن ترى جهات فلسطينية في الحملة الانتخابية، التي ستتواصل حتى 17 آذار المقبل، فرصة لتوتير مضبوط يستهدف انتزاع موافقة إسرائيلية، أو إقليمية على رفع الحصار، ولو جزئياً. الجانب السلبي بالنسبة لنتنياهو في هذا الواقع، أن العودة إلى إطلاق الصواريخ ستكشف الصورة المزيفة عن نتائج الحرب الأخيرة بعدما حاول ترويج انتصار إسرائيل لجهة أنها تمكنت من تعزيز ردعها، وإلحاق خسائر كبيرة بالمقاومة.
لكن نتنياهو سيحاول تحويل التهديد إلى فرصة في حال حشره، وذلك بحرف بوصلة اهتمامات الناخب الإسرائيلي نحو العامل الأمني. وقد يزايد عليه خصومه أكثر، ما سيشكل عاملاً إضافياً لمسار عملاني أكثر دموية. وما قرار الضربات الجوية الأخيرة إلا تعبير عن توظيف «الصاروخ اليتيم» في السياق الانتخابي. إذ عمد الرجل إلى استغلال الحادثة بتقديم الشعار الأحب إليه: «أمن إسرائيل يسبق كل شيء»، وصولاً إلى تقديم نفسه بصورة «صقورية» في المجال الأمني، عبر الإعلان عن أنه لن يتسامح «مع إطلاق قذيفة واحدة».
الخلفية الانتخابية للأداء السياسي الإسرائيلي، في التعامل مع صاروخ غزة، حضرت في مقاربة المعلق العسكري في «يديعوت أحرنوت»، الذي اعتبر أنه «ينبغي الأمل في ألا يكون التغيير في السياسة الإسرائيلية الذي شهدناه نهاية الأسبوع مرتبطاً بالانتخابات القريبة». كما شدّد على ضرورة أن يكون نابعاً من «اعتبارات أمنية صرفة». لكنه لفت إلى أنّ «الانتخابات عموماً هي وقت ينبغي الحذر فيه، لأن فيها الاستخدام الانتهازي للمعلومات الاستخبارية من كل التيارات السياسية».
وبرغم أنّ التقديرات في إسرائيل ترجح أن يكون أحد التنظيمات الصغيرة وراء إطلاق الصاروخ، كما نقلت القناة العبرية العاشرة، ما يعني أنه لا علاقة لـ«حماس» به، فإن ردّ إسرائيل السياسي والعملاني كان موجّهاً إلى الأخيرة. الأمر الذي يؤكد قراراً إسرائيلياً بفرض معادلة تقضي بتدفيع «حماس» ثمن كل عملية حتى منع هذه الفصائل من فعل شيء. وفي ذلك أيضاً امتداد للسياسة الإسرائيلية الإعلامية بالتركيز على «حماس»، مع أن المواجهة كانت تشمل فصائل المقاومة كافة.
وعن سبل الخروج من هذا الواقع، رأى معلق الشؤون الأمنية في «يديعوت أحرونوت»، شمعون شيفر، أن على صناع القرار في «تل أبيب» أن يحسموا قراراتهم بين عدة بدائل. الأول، (يمثله بنيامين نتنياهو وموشيه يعلون)، وهو أنه لا حل للمواجهة مع الفلسطينيين، وأنّ ما بقي هو اتباع سياسة «إدارة النزاع». هذا يعني، وفق شيفر، «الخروج إلى عملية عسكرية مع قتلى وجرحى، والشد على الأسنان إلى حين الجولة المقبلة». البديل الآخر، هو محاولة تحديد أهداف استراتيجية على صورة مفاوضات ضمن إطار اتفاق إقليمي، يتضمن انسحاباً إسرائيلياً من أراض محتلة منذ عام 1967، مقابل دولة فلسطينية منزوعة السلاح.