ما يجري مع «حماس» المحاصرة في غزة، هذه الأيام، قد يكون أكبر تحرك سياسي تستفيد منه الحركة من دون أن يسافر قياديوها عبر العواصم. فهي في اليوم الأول (ذكرى انطلاقتها) أعلنت موقفها «الجديد» من إيران، ثم احتوت الغضب السعودي بتأجيل دراسة العرض البديل، ومساء اليوم نفسه (أمس) أعربت القارة العجوز عن نيتها دراسة وضع الحركة على قائمة الإرهاب. وعلى أن التحرك الأوروبي جاء بعد استئناف قانوني كانت «حماس» قد قدمته سابقاً، فإن التوقيت ليس مصادفة، وخاصة أن أوروبا تمهد للسلطة (فتح) الوصول إلى حل سياسي، وفي الوقت نفسه تفتح الباب لحركة المقاومة الإسلامية، على أمل أن يكون لها دور في هذا الحل.
هنا يجب الالتفات إلى تصريح وزير الجيش الإسرائيلي، موشيه يعلون، الذي هدد غزة، أمس، بحرب مفاجئة وضربات قوية، مع أن المسار المفترض هو مسار التهدئة، وهو توقيت مرتبط بما يجري سياسياً وميدانياً. فعلى الناحية الأخيرة، يقلق إسرائيل التجارب الصاروخية اليومية في القطاع، بعدما أظهر العرض العسكري الأخير لكتائب القسام أن هناك مفاجآت لم يكشف عنها بعد. والهاجس الثاني هو الخوف من سماع صوت الانتفاضة في الضفة المحتلة، إذ أخذت إسرائيل التهديدات الإيرانية، ثم الفلسطينية، بنقل الانتفاضة المسلحة إلى الضفة في الاعتبار، وكل يوم ترد الأنباء عن تشديد الإجراءات في شأن الحوالات المالية واستجواب الوافدين عن أي أموال حملوها من الخارج.
ورغم أن التنسيق الأمني لا يزال «مقدساً» بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، فإن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، ومنها قتل الوزير زياد أبو عين، تجعل رام الله في موقف حرج جداً أمام الرأي العام، وهو ما يكسب «حماس» زخماً أكبر. ومع أنه لا يستطيع أحد توقع ما ستختاره الأخيرة، فإنها ثمنت إصدار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قراراً برفعها عن لائحة «الإرهاب»، معتبرةً أن القرار «انتصار للمقاومة».
ولترك المجال للمناورة، فإن المحكمة الأوروبية علقت تنفيذ القرار ثلاثة أشهر تحت ذريعة قانونية مع إبقاء تجميد الأصول المالية لـ«حماس» في أوروبا، فيما الواضح أنها شهور اختبار سياسي. أيضاً قالت المفوضية الأوروبية، أمس، إنّ الاتحاد الأوروبي «لا يزال يعتبر حماس منظمة إرهابية»، وإنه ينوي الطعن في قرار شطبها من لائحته السوداء أمام محكمة العدل.
في المقابل، أعلى رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، صوته أمام هذا التحرك، إذ طالب الاتحاد الأوروبي بإبقاء «حماس» منظمة إرهابية. وقال: «ننتظر منهم أن يعيدوا حماس فوراً إلى القائمة... هي منظمة قاتلة تقول في ميثاقها إن هدفها تدمير إسرائيل»، مضيفاً أن «كثيرين في أوروبا، التي قتل على أرضها ستة ملايين يهودي، لم يتعلموا شيئاً من المحرقة».
وإن كان هذا الموقف طبيعياً منه، فإنه لا يلغي أن الأوروبيين يردون بطريقة ما على «التصريحات الإسرائيلية المستفزة». فعلى مستوى التعاطي مع السلطة، عبّر البرلمان الأوروبي، أمس، عن دعمه «مبدئياً» الاعتراف «بدولة فلسطين والحل على أساس دولتين»، مستدركاً: «يجب أن يترافق مع عملية السلام التي يجب إحياؤها». لكنه أيضاً كان نصاً غير ملزم كما جرى في كل من السويد وإسبانيا وبريطانيا وفرنسا وإيرلندا.
مقابل هذا القرار، جاء الرفض الإسرائيلي على قاعدة أن «المفاوضات الثنائية فقط، وليس عمليات التصويت في البرلمانات الأوروبية، هي التي يمكن أن تحل النزاع في الشرق الأوسط». أما على الجانب الفلسطيني، فرحب عضو اللجنة المركزية لـ«فتح»، نبيل شعث، بقرار البرلمان الأوروبي، معتبراً إياه «تاريخياً». كذلك رأى شعت أن «القرار يعبر عن درجة التغيير الذي طرأ على الساحة الأوروبية».
يشار إلى أن هذا القرار أتى قبل ساعات من تقديم مشروع قرار فلسطيني، بصيغة فرنسية، إلى مجلس الأمن على أن يكون التصويت عليه بعد ترجمته للدول المشاركة خلال أيام. أيضاً تزامن قرار البرلمان الأوروبي مع عقد اجتماع في جنيف بشأن «احترام القانون الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة». وحضر هذا الاجتماع ممثلو 196 دولة موقعة على اتفاقات، في ظل غياب أميركي ومقاطعة إسرائيلية عنوانهما أن ما يجري «مناورة هدفها الوحيد استغلال وتسييس اتفاقات جنيف لمهاجمة إسرائيل».
وفي ضوء ما سبق، فإن كل ما أعلنه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، حتى أمس، أن «الولايات المتحدة لم تحسم أمرها بشأن قرارات محتملة لمجلس الأمن»، مضيفاً: «لم نحسم أمرنا بشأن الصياغة أو قرارات محددة... ولا أي شيء من هذا»، وذلك على خلاف ما أفاد به الوفد الفلسطيني الذي أكد، أول من أمس، أن كيري هدد باستخدام الفيتو.
كذلك، أكد وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، ما ورد إلى «الأخبار» (راجع عدد الأمس)، إذ قال إن «مشروع قرار إنهاء الاحتلال الذي سيطرحه الفلسطينيون على مجلس الأمن هو النص الفرنسي الذي تم تعديله للأخذ بملاحظات فلسطينية». لكنه أضاف، في تصريح، أن فرنسا «سحبت موضوع يهودية الدولة في مشروع القرار»، وذلك على خلاف النص الذي ورد في تقريرنا السابق.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)