دمشق | الدمار الذي سبّبته الحرب المتواصلة في سوريا، منذ ما يقارب أربع سنوات، بلغ حدوداً مخيفة، ولا شكّ في أنّ هذا الدمار أصاب الأملاك الخاصّة للمواطنين، كذلك أصاب الأملاك العامّة. ففي دمشق وريفها تعرّضت الكثير من المباني للدمار الكليّ أو الجزئي، وتعرّضت أعداد كبيرة من السيّارات للضرر بفعل التفجيرات وقذائف الهاون الطائشة، الأمر الذي دعا المحافظة إلى أن تتخذ قراراً بالتعويض للمواطنين عمّا لحق بهم من ضرر، وقامت لذلك بإحداث لجنة متخصصة بهذا الشأن، جعلت من مهماتها، الوقوف على الوقائع، وتقدير حجم الأضرار، ومن ثمّ تحديد مبلغ التعويض، على أن يكون صرف المبلغ في مرحلة لاحقة، قد تأتي سريعاً، وقد تتأخر لعدّة أشهر بسبب أعداد المتضررين الكبيرة
. إلّا أنّ ما يثير سخط المتضررين، ليس المدّة التي تستغرقها عمليّة صرف المبالغ المقررة، بل المبالغ التي تُقرها المحافظة، والتي لا تغطّي غير جزء من الإصلاحات، ما يضطر المواطن إلى أن يكمل الإصلاح والترميم على حسابه الخاص.
في منطقة مساكن برزة تعرّضت سيارة وائل لأضرار كبيرة جرّاء سقوط قذيفة هاون عليها، فما كان منه غير أن تقدّم بطلب التعويض للمحافظة التي عمدت إلى الكشف على السيّارة وتقدير حجم الضرر، «ومن ثمّ صرفت مبلغاً لا يغطّي غير جزء من تكاليف الإصلاح، واضطررت إلى دفع باقي التكلفة من جيبي»، يقول.
تبدو حكاية وائل أخفّ وطأة من حكاية هادي الذي تعرّض منزله في مساكن برزة لأضرار كبيرة، وعند تقدّمه بطلب التعويض حصل على مبلغ مئتي ألف ليرة سوريّة، مشروطة بأن يباشر أعمال الترميم مباشرة، تحت إنذار بهدم منزله إن تأخّر بذلك، الأمر الذي أجبره على استدانة باقي التكاليف، لكون المبلغ المصروف لا يغطي إلّا جزءاً يسيراً من عمليّة الترميم في ظلّ الارتفاع الكبير لأسعار مواد البناء.
يختلف وضع المناطق التي تمكّن الجيش السوري من استعادتها، عن تلك التي لا تزال تحت صراع غير محسوم، حيث لن يحصل من تعرّضت بيوتهم للدمار أو التخريب، في المناطق السّاخنة، على اي تعويضات حالياً، باعتبار أنّ لجان الكشف غير قادرة على الوصول إلى البيوت للكشف على حالتها، كذلك إنّ الأوضاع في تلك المناطق لم تستقرّ بعد لمعرفة الحصيلة النهائية للأضرار. يقول طارق، من سكّان جوبر: «اضطررنا إلى الخروج من جوبر واللجوء إلى جرمانا، حيث استأجرنا بيتاً بعدما تقدمنا بطلب تعويض، وقمنا بتسجيل معاملتنا لدى مخفر العباسيين، لكننا حتى اللحظة لن نحصل على جواب». وهي حال مشابهة لحال أم محمد النازحة من دوما، والتي تقدّمت بطلب التعويض منذ حزيران 2012، ولم تحصل على أيّ مبلغ حتى اليوم، مع العلم أنّ الجهات المعنيّة ستزودها فقط بما لا يتجاوز 25% من قيمة الأضرار. تقول أم محمد لـ«الأخبار»: «محافظة ريف دمشق، المسؤولة عن دوما، تتحجّج اليوم بعدم وجود كشف على المنزل من قبلهم، وأن الكشف الذي تقدّمت به إليهم يقتصر على ضبط الشرطة فقط، مع العلم أنّ قرار الكشف الخاص بالمحافظة صدر بعد تقديمي الطلب بعدّة أشهر».
في ظلّ ذلك، يؤكّد بعض المتضررين أنّ المشكلة لا تكمن في قيمة التعويض الممنوح لهم، بل في الاستنسابيّة في الصرف. فبينما لا يستطيع معظم المتضررين الحصول على تعويضاتهم، أو يحصلون على مبالغ زهيدة، يتلقّى البعض مبالغ تعادل أضعاف ما يستحقونه، مستفيدين من بعض المحامين الذين وجدوا في الكارثة فرصةً جيّدة لممارسة الاستغلال. وفي هذا السياق يقول علي، أحد المتضررين: «يؤدي بعض المحامين دور الوسيط مستفيدين من علاقاتهم الشخصيّة مع موظفي المحافظة، ما يمكّنهم من تحصيل تعويضات كبيرة لزبائنهم لقاء عمولات ماليّة».
كثرت شكاوى المواطنين بهذا الخصوص، إلّا أن المحافظة تعتبر حجم التحدّي كبيراً، والأموال التي تصرفها ليست بقليلة، حيث قدّرت «اللجنة الفرعية للتعويض عن الأضرار» في المحافظة، حجم الأموال المنفقة بـ800 مليون ليرة سوريّة، شملت 5700 طلب تمّ صرفه، وذلك لغاية حزيران الماضي. كذلك رفعت جداول إلى «لجنة إعادة الإعمار» عن الربع الثالث من عام 2014، بحيث تبلغ قيمة المبالغ المستحقة للتعويض، حسب التقديرات، أكثر من 136 مليون ليرة، مع العلم أن بعض المناطق أُجري الكشف الحسّي عليها في فترات سابقة، ومعظم هذه الطلبات تشمل منطقة برزة، بمعدّل 75طلباً في اليوم، وذلك إثر إجراء المصالحة الوطنيّة فيها.
وفي هذا السياق، توضح وزارة الإدارة المحليّة، أنّه قبل صدور التعليمات الخاصة بالكشف الحسي كان الاعتماد على تقدير الأضرار، من اللجنة المختصّة، يجري بناءً على توصيف الشرطة، ولا سيّما قبل تقويم الإدارة المحلية. أمّا الحالات التي وردت بعد التعميم، فينطبق عليها الكشف الحسي، ولا تقبل أيّ طلبات تعويض من اللجان الفرعية، المشكلة لهذه الغاية، بهذا الشأن، تحت طائلة المسؤولية.
وفي ما يخصّ طلبات المواطنين الذين لا يمتلكون وثائق إثبات رسمية، بسبب عدم فرز مبانيهم لعدم اكتمالها، وعدم الحصول على قرار حكم، أكدت اللجنة أن المعالجة تجري بالأسس نفسها التي أقرّت للعشوائيات، بحيث تقبل الطلبات من المواطنين المتضررين، الذين تنطبق عليهم هذه الحالة، مرفقة بإحدى الوثائق الواردة في المرسوم 40 لعام 2012.
واعتبرت «لجنة إعادة الإعمار» أن النقابات المهنية والمنظمات الشعبية تعامل معاملة الأفراد في مجال التعويض عن الأضرار التي لحقت بممتلكاتها، من حيث الأسس ومقدار التعويض.
ولكن، مهما كانت مبررات المحافظة، والظروف التي تمرّ بها، إلّا أنّ الكثيرين ممّن خسروا أجزاءً من منازلهم، يضطرون اليوم إلى السكن فيها رغم ما أصابها من ضرر، لعدم قدرتهم على توفير مواد البناء والصيانة، وهم بذلك يقتسمون المعاناة مع غيرهم من النازحين بانتظار انتهاء الأزمة.