منذ الثمانينيات انتشرت «أفلام» بدأ إصدارها السعوديون، وعلى خطاهم سارت بقية الممالك الخليجية. إنها أفلام الخلايا المرتبطة بالخارج. تكتشفها باستمرار أجهزة أمن «آل سعود» و«آل خليفة» و«آل الصباح»، تحت مسميات عديدة، كلها تصبّ في خانة واحدة: «السعي إلى زعزعة استقرار أنظمة الخليج والانقلاب على الشرعية». لا يمكن لأي باحث متخصص في الشأن الخليجي أن يفصل الارتباط البحريني اللصيق بنظام «آل سعود». ارتباط وثيق يبلغ حدّ استنساخ المصطلحات والبيانات الأمنية والقرارات الاقتصادية والسياسة الخارجية عند كل مفصل. ربما تجلى هذا أكثر مع انطلاق ثورة الشعب البحريني ضد «آل خليفة»، وأخيراً مع استلام سلمان مقاليد الحكم في السعودية وشنّه العدوان المستمر على اليمن ثم قطعه العلاقات مع إيران.من يتابع الشأن البحريني يكتشف نمطاً متكرراً في بيانات «الداخلية»، وخاصة بعد الرابع عشر من شباط 2011. كل البيانات التي أصدرتها الوزارة على مدى خمس سنوات وأعلنت فيها ضبط خلايا في البلاد مرتبطة بالخارج، كان بطلاها دائماً جهتين، هما «الحرس الثوري الإيراني» و«حزب الله اللبناني». آخر تلك الخلايا تحدثت عنها «داخلية آل خليفة» في السادس من كانون الثاني الماضي، بالتزامن مع قطع الرياض علاقاتها بطهران، عقب إعدام الشيخ نمر النمر.
اللافت في الخلية الأخيرة التي سموها «غروب البسطة»، أن أعضاءها كما قالت الداخلية زاروا عام 2012 الضاحية الجنوبية لبيروت، والتقوا الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، ونائبه الشيخ نعيم قاسم، وطلبوا منهما الدعم لمواصلة أنشطتهم «الإرهابية»، فزودهما الأخيران بمبلغ 20 ألف دولار. المشكلة ليست في «ضبط الخلية» المزعومة، بل في حبكة السيناريو الفاشل بكل المقاييس. السيد ونائبه لا شغل لهما إلا الاجتماع بناشطين خليجيين والتخطيط وإعطاء التوجيهات شخصياً! وقيادة الحزب الذي هزم إسرائيل ويخوض معارك إستراتيجية ضد الإرهاب في سوريا لا تمتلك مساعدين لإنجاز المهمة نيابة عن رأس الهرم!
الإعلان لاقى سخرية منقطعة النظير، كان الأميركيون أنفسهم قد سجلوها في مراسلاتهم الدبلوماسية عام 2008 ونشرها موقع «ويكيليكس» في آذار 2011. إحدى هذه الوثائق (1) التي أرسلها الدبلوماسيون الأميركيون في المنامة حول اجتماع الملك حمد مع رئيس القيادة الأميركية في الشرق الأوسط آنذاك، الجنرال ديفيد بترايوس، فقد استعملوا مصطلح «نظرية» عندما أشاروا إلى مزاعم حمد عن دعم إيران وحزب الله وسوريا خلايا بحرينية تسعى إلى قلب نظام الحكم، بل حمد في اللقاء نفسه يعترف لبترايوس بأنه لا يملك دليلاً على هذه الادعاءات.
لا يختلف اثنان على أن «المسلسل» المتعدد الحلقات لهذه الخلايا المكتشفة لا تصدقه القاعدة الشعبية في البحرين، والهدف من ورائه إنما يحمل طابعاً سياسياً بامتياز، موجها للخارج أكثر من الداخل.
عموما، منطقة الخليج وبعد تفاقم الأزمة في سوريا والعدوان على اليمن تمضي نحو المزيد من الشحن الطائفي والمذهبي، ومن الطبيعي أن ينخرط النظام الخليفي في مجاراة أشقائه الخليجيين، وبالتحديد السعوديين منهم، الذين دائماً ما تعاملوا مع البحرين كمحافظة سعودية. في المقابل، فإن البحرينيين على مدى خمسة أعوام من عمر ثورتهم أثبتوا سلمية تحركاتهم، ولو أنهم أرادوا أن ينتهجوا العنف وسيلة للحصول على مطالبهم لاختلفت الأحداث، برغم القمع والوحشية في التعاطي مع التظاهرات السلمية في الشارع، وهذا ما لا يحتاج إلى إثبات.

أكثر من 30 خلية

يحصي بحرينيون إعلان الداخلية في بلادهم منذ خمسة عقود كشف واعتقال نحو ثلاثين خلية، كانت مع بداية الحركة المطلبية في البحرين، وأشهرها «خلية قادة الاتحاد الوطني» من السنّة والشيعة عام 1956، فيما تتشابه إلى حد كبير التهم الموجهة منذ تلك اللحظة حتى اليوم.
على جانب آخر، لا ينسى البحرينيون شكر السيد نصر الله على مواقفه حينما ناصر وبارك ثورتهم السلمية منذ اليوم الأول لانطلاقتها، ولكنهم يرون أن انتصارات حزب الله على إسرائيل باتت تضع كل من له علاقة به في موضع التهمة والجريمة، وهو الأمر الذي تحاول أنظمة الخليج ترسيخه مع صورة العداء للمقاومة.

(1)
08MANAMA541
https://wikileaks.org/plusd/cables/08MANAMA541_a.html