القاهرة | في حي «غاردن سيتي» الراقي وسط القاهرة، وعلى بعد أمتار من ميدان التحرير، تقع سفارات كل من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، فضلا عن دول أخرى، ما جعل المنطقة تعرف على المستوى الشعبي باسم منطقة السفارات. محور دبلوماسي اتخذت السلطات المصرية منذ أحداث أيلول 2001 إجراءات أمنية مشددة حوله حتى اليوم، فبخلاف الأسوار العالية ومراقبة المساكن المجاورة والتحري عن أصحابها، منعت الحكومة تأجير أحد الأبراج المطلة على شرفة حديقة السفارة البريطانية، وهو ما يعني أن المنطقة مؤمنة جيدا منذ زمن.
أكثر من ذلك، هنا يكون التفتيش دقيقا للسيارات على مدار اليوم، فضلا عن أكثر من 500 ضابط ومجند يحمون المكان، فيما سكان المنطقة يرون أن هذه الإجراءات حولت حياتهم إلى جزء من ثكنة عسكرية، لذلك يسخر أحد الواقفين من الدواعي الأمنية التي تحدثت عنها سفارتا بريطانيا وكندا في ظل هذا التأمين، رغم أن وزارة الداخلية قالت إنها ضبطت خرائط لأماكن دبلوماسية في القاهرة بين يدي من اعتقلتهم أخيرا.
أيضا أعلنت السفارة الألمانية إغلاق القسم القنصلي لها يوم غد (الخميس)، في وقت لا تزال فيه السفارة الأميركية تحذر من اتخاذها قرارا مماثلا وفقا لتقديرات الوضع الأمني، وأيضا حذت حذوها السفارة الأسترالية. كل هذا دفع رئيس الحكومة، إبراهيم محلب، إلى تنفيذ جولة مسائية في شوارع العاصمة والتقاط الصور مع المواطنين لتأكيد وجود الأمن، بل حرص على التصوير على بعد عشرات الأمتار من مقر السفارتين المغلقتين.
بينما أغلقت السفارة البريطانية مقرها لدواع أمنية كان سفيرها في زيارات سياحية


وثمة كثيرون استغلوا هذه الأجواء للحديث عن سيناريوهات أمنية وسياسية تواجه النظام، لكن مصدرا دبلوماسيا في الخارجية المصرية رأى أن الإغلاقات جزء من حالة القلق المبالغ فيه لدى السفراء الغربيين في المنطقة العربية. مع ذلك استغرب المصدر إقدام بريطانيا وكندا على إغلاق سفارتيهما رغم أنهما استمرتا في العمل في أوقات سابقة، وخلال وقوع اشتباكات على بعد مئات الأمتار منهم، في إشارة إلى ميدان التحرير.
وأضاف المصدر لـ«الأخبار» أن السفير البريطاني لدى القاهرة، الذي يفترض أنه «لا يشعر بالأمن على سلامته»، كان في محافظة المنيا في الصعيد قبل أيام قليلة، والتقى هناك مسؤولين في كنيسة، علما بأن «المنيا شهدت أكثر الاشتباكات حدة بين جماعة الإخوان المسلمين والأمن بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي»، لافتا إلى أن معلوماته تشير إلى أن السفير نفسه زار مدينة الأقصر والآثار فيها، وهذا «دلالة على الأمان وحرية الحركة في مصر».
بناء على ذلك، تعبر أوساط عديدة في الخارجية المصرية عن التفاجؤ بمواقف هذه السفارات، متسائلة عن سبب عدم إرسال الهيئات الدبلوماسية خطابات إلى الوزارة لإطلاعها على التقديرات الأمنية التي قررت على أساسها اتخاذ قرار تعليق العمل.
في السياق، يقدر مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير إبراهيم عبد الغفار، أن المبدأ العام في الإغلاق طبيعي في ظل حالة «دول الربيع العربي»، مشيرا إلى الحساسية العالية لدى السفارات منذ مقتل السفير الأميركي في ليبيا، لكنه قال إن إغلاق السفارتين البريطانية والكندية قد يكون وفقا لمخاوف من ردود فعل «إخوانية» على ضوء المناقشات القانونية في بريطانيا بشأن الجماعة.
كذلك، ربط الدبلوماسي السابق في السفارة المصرية لدى كندا، السفير أحمد نجم، الموقف الكندي والبريطاني بالتقديرات الأمنية، وخاصة مع تزايد استهداف المواطنين الأجانب في البلاد العربية. وأضاف نجم لـ«الأخبار» أن التقديرات تؤكد أن الإغلاق لن يستمر طويلا بسبب الحاجات الملحة لحملة جنسيات هذه الدول في مصر، لكنه رأى أن القرار ليس له أي بعد مرتبط بجماعة الإخوان المحظورة.