تونس | في أول ظهور له بعيد انتخابه أول من أمس، شارك رئيس البرلمان التونسي الجديد، محمد الناصر، الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي، ورئيس الحكومة مهدي جمعة، في إحياء ذكرى شهيد الحركة النقابية، فرحات حشاد، الذي اغتاله الاستعمار الفرنسي، وقد ظلت ذكرى اغتياله حدثاً سنوياً تحييه الحكومة التونسية، رسمياً، منذ بداية الاستقلال.
صورة رئيس البرلمان الجديد يقرأ «الفاتحة» جنباً إلى جنب مع الرئيس المؤقت تلقفتها صفحات التواصل الاجتماعي والصحف الإلكترونية والإذاعات والفضائيات، على اعتبار أنها تمثل حدثاً سياسياً كبيراً، إذ للمرة الأولى يشاهد التونسيون، عملياً، عودة «البورقيبيين» إلى الحكم، باختيار من الشعب.
ويشكل صعود شخص محمد الناصر، وهو «بورقيبي»، منعرجاً حاسماً في الانتقال الديموقراطي، إذ فاز حزب «حركة نداء تونس» برئاسة البرلمان، عبر شخصه، وهو يعدّ من أشهر وزراء الزعيم الحبيب بورقيبة، وقد عرف بانحيازه إلى المبادئ الديموقراطية والعدالة الاجتماعية، ولم يعرف عنه طيلة سنوات توليه وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أي فساد، كما لم يعرف عنه تورط في التعذيب أو تولي مناصب أمنية أو حزبية.
ولصعود محمد الناصر دلالاته السياسية. فهو في النهاية أحد رموز «البورقيبية» التي أصبح حضورها منذ «١٤ يناير» ٢٠١١ لافتاً في الشارع التونسي. والزعيم الحبيب بورقيبة (١٩٠٣ـ٢٠٠٠) الذي قاد معركتي الاستقلال وبناء الدولة، كان تداول اسمه شبه ممنوع زمن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وبعد انهيار النظام السابق أصبح الحنين الى بورقيبة هو السمة التي تجمع بين معظم النخب التونسية، باستثناء القوميين والإسلاميين، الذين ما زالوا يصرون على معاداة «الزعيم». أما ما يسمى قوى اليسار، ورغم ما عانته خلال عهد بورقيبة، فإن معظمها يعترف له ببناء دولة حديثة ومجتمع متقدم في التعليم والصحة، وفي تثبيت ركائز الطبقة الوسطى، رغم فشله الذريع في بناء الديموقراطية وضمان التداول السلمي للسلطة، الذي تتطلع إليه تونس اليوم.
وبحسب الدستور التونسي، يُعتبر محمد الناصر، راهناً، على رأس السلطة العليا في البلاد، على اعتبار أن الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي يستمد سلطته من المجلس التأسيسي المنتهية ولايته، وهو الآن لا يملك أي صلاحيات فعلية. وبالتالي فقد استعاد، ضمنياً، «البورقيبيون» السلطة عبر محمد الناصر، الذي أكد في خطابه الافتتاحي، أول من أمس، ضرورة استعادة هيبة الدولة وطمأنة التونسيين مع تحقيق الديموقراطية. وكان في خطاب الناصر قطع كامل مع الخطاب «الثورجي» الذي كان سمة خطب الرؤساء الثلاثة في الفترة الماضية. ويعني ذلك أن تونس تدخل مرحلة جديدة شعارها الدولة هذه المرة بمفهومها «البورقيبي»، مع إضافة البعد الديموقراطي الذي حرم منه التونسيون، سواء في عهد الزعيم المؤسس للجمهورية الحبيب بورقيبة أو في عهد بن علي.
ويمثّل أيضاً تولّي محمد الناصر رئاسة البرلمان، الذي رأسه «الدساترة» (أنصار الزعيم بورقيبة) منذ تأسيسه عام ١٩٥٧ الى حدود حله في شهر شباط ٢٠١١ ، عودة فعلية لـ«الدساترة» إلى الحكم، في انتظار، ربما، نجاح مرشحهم الباجي قائد السبسي (87 عاماً) خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة. ويعتبر السبسي والناصر من أبرز القيادات التاريخية لـ«البورقيبيين» التي ما زالت فاعلة.
فهل أغلقت تونس، نهائياً، قوس «الثورة» التي دشنتها في ٢٠١١؟ أم ينجح الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي في الاحتفاظ بكرسي الرئاسة في قرطاج، بتفويض شعبي هذه المرة، وبالتالي يقطع الطريق أمام عودتهم إلى الحكم؟ الإجابة سيمتلكها الشارع التونسي يوم ٢١ كانون الأول الحالي، أو ٢٨ كانون الأول على أقصى تقدير، وهما التاريخان المحتملان لإجراء الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية.