القاهرة | عندما أجرت إسرائيل تحركات أمنية لحماية حقول الغاز في مياه البحر المتوسط، منها استئجار وحدة عسكرية في قبرص حتى عام 2016، أشعلت بذلك فتيل الأزمة بشأن حقوق استغلال آبار نفط وغاز المنطقة المتروكة في مياه البحر المتوسط. ولأن إسرائيل ثبّتت منظومة «القبة الحديدية» لصدّ الصواريخ على طول السواحل الإسرائيلية، وقبالة المياه الإقليمية، إضافة إلى تحركاتها الاستخبارية، فقد تمكنت من رصد حركة العمل في هذه المياه الاقتصادية.
وعلاوة على ذلك، فقد أقامت إسرائيل تفاهما استراتيجيا ـ أمنيا مشتركا ذا طابع سري مع الولايات المتحدة، بالتنسيق مع تركيا، لإجهاض أيّ تحركات دولية ترمي إلى التنقيب عن الغاز، وضربها عن طريق الوحدة العسكرية المثبتة في قبرص، أو من خلال الأسطول الأميركي السادس في مياه البحر المتوسط. كل هذه التحركات الإسرائيلية أفقدت مصر ما يقارب المليار دولار خسائر، تتحملها الميزانية المصرية سنوياً، لعدم استغلال آبار الغاز المكتشفة في المياه الإقليمية في البحر المتوسط.

عدم قدرة مصر على السيطرة على آبار الغاز
حقلا «لفياثان» و«أفروديت» يزخران باحتياطات قيمتها نحو مئتي مليار دولار


في الواقع، لم تكن مصر يوماً قادرة على بسط سيطرتها على آبار الغاز الواقعة عند حدودها البحرية الإقليمية في مياه البحر المتوسط، وذلك لأن «إسرائيل استولت على بئر لفياثان، وقبرص على حقل افروديت، برغم أنها تقع في نطاق ملكية مصر للمياه الاقتصادية المالحة»، بحسب ما أوضح لـ«الأخبار» خبير ملف الهيئات الاقتصادية، نائل صلاح الدين الشافعي.
ووفق الشافعي، فإن الإشكالية «تكمن في مواقع الحقول المكتشفة على يد بعض الدول المطلّة على البحر المتوسط، والثانية على حدود مصر البحرية الحالية»، مشيراً إلى أنه «لا يمكن مبدئياً تقدير العائد الاقتصادي لثروات الغاز المكتشفة، نظراً إلى تعدّدها وعدم اكتشاف ما بداخلها».

ترسيم الحدود البحرية

ومن المعلوم أن ترسيم حدود مصر البحرية شابته بعض الأخطاء. ومن هذه الأخطاء، كما يلفت أستاذ علوم البحار في جامعة الإسكندرية، سمير النجار، ما يتعلق بمدى التزام قانون البحار العالمي، الذي ينص على أن «لكل دولة 12 ميلاً بحرياً مياهاً إقليمية، و200 ميل بحري منطقة اقتصادية». وأضاف النجار أنه بناء على ذلك، فـ«إذا كانت المسافة بين الدولتين المتقابلتين أقل من 400 ميل بحري، لا تستطيع كل دولة أن تحصل على الـ200 ميل بحري خاصتها، بالتالي يجب على الدولتين أن ترسما الحدود بينهما، وتتفقا عليها، على أن تكون الأولوية للحقوق التاريخية والاقتصادية لكل دولة».
وقال إنه «إذا لم توجد حقوق اقتصادية وتاريخية مثبّتة لتلك الدول، فعلى الدولتين اللجوء إلى ترسيم عبر خط التنصيف»، لافتاً في هذا الإطار إلى أن «مصر أغفلت تماماً أن لها حقاً تاريخياً مثبتاً منذ سنة 200 قبل الميلاد». كما أشار النجار إلى أنه «بعد إعادة القياس تبيّن أن حدّ المنتصف، في حقل أفروديت، مثلاً يقع على بعد 3 كيلومترات»، مؤكداً أن «هذه المعلومة وحدها تجعل حقلين كاملين داخل المياه المصرية». أما الخلفية التاريخية لآبار المتوسط، فقد كشفها الخبير الجيولوجي، حسام خير الدين. وقال إن مصر وقّعت اتفاقية مع قبرص في 17 شباط 2003، ووافق عليها رئيس الجمهورية حسني مبارك حينها، ثمّ وافق عليها البرلمان. وقد جرى بعد ذلك في عام 2006، توقيع ما تسميه الدولتان (مصر وقبرص) «الاتفاقية الإطارية» لتقاسم مكامن الهيدروكربون، وهو الغاز والبترول، لكنّ أخطاء الترسيم أخّرت ملكيّة حقل «افردويت» ليصبح تابعاً لقبرص لا لمصر، الأمر الذي لا بدّ من الرجوع عنه، والذي يقتضي ضرورة إعادة مصر رسم الحدود البحرية، ولكن خير الدين أشار أيضاً إلى أن مصر فرّطت في حقّها، عندما وافقت على مرور كابلات الإنترنت عبر مياهها من دون مقابل، لافتاً الانتباه إلى أن حجم الخسائر يراوح بين 750 مليون دولار وملياري دولار سنوياً.

سبب الأزمة الأخيرة

الخبير الأمني، اللواء أسماعيل الجزار، أوضح أن سبب الأزمة الاخيرة بشأن مياه المتوسط، جاء بعدما أصدرت مصر «إعلان القاهرة» في مؤتمر عقد، الشهر الماضي، في القصر الرئاسي في الاتحادية، حين «أجهضت اتفاقاً غير معلن، جرى بين تركيا وقبرص وإسرائيل، يتمحور حول الضغط على مصر لفرض سياسة الامر الواقع عليها، بعدما سيطرت على كامل ثروات قاع المتوسط البحري». وأشار الجزار إلى أن «شركة إنرجى الأميركية التي تتولى التنقيب عن حقول الغاز في المتوسط، استعانت بوحدات عسكرية للاستعداد لأي تحركات دولية للتنقيب عن الغاز».

الخسائر الاقتصادية

أشارت أستاذة الاقتصاد في الجامعة الأميركية في القاهرة، نوال السعيد، إلى أن الحقلين المتلاصقين «لفياثان» و«أفروديت» يزخران باحتياطات قيمتها حوالى 200 بليون دولار. ولفتت إلى أن شركة «إيه ‌تي ‌پي» الأميركية للنفط والغاز، بدأت بتطوير حقل «شمشون» البحري المصري، الذي تستحوذ إسرائيل عليه أيضاً، وتبلغ احتياطاته قرابة 3.5 تريليونات قدم مكعب. وبحسب الخبير الاقتصادي المتخصص في أسواق المال والبورصة، عمرو حلمي، فإن مصر لديها احتياطي في حقول النفط التي تنهبها إسرائيل، يصل إلى حوالى 123 تريليون متر مكعب، وحوالى 40 تريليون متر مكعّب من الغاز الطبيعي، الذي يعد من أنقى أنواع الغاز في السوق العالمية، مضيفاً أن «مصر تخسر حوالى 24 تريليون دولار» بناء على ذلك.