خطت إسرائيل أول خطوة قانونية تجاه إجراء الانتخابات يوم أمس، إذ صوّت الكنيست في قراءتين، تمهيدية وأولى، على قانون حل نفسه، فيما تعكس المسارعة إلى هذه الخطوة القرار السياسي الجامع لإجراء انتخابات مبكرة.مع ذلك، لا يزال أمام المسار القانوني المزيد من الخطوات. فحتى يصبح القانون نافذاً يحتاج إلى المصادقة عليه في القراءتين الثانية والثالثة في الهيئة العامة للكنيست، وهو ما يفترض أن يجرى الاثنين المقبل. ووفق التقارير الإسرائيلية وقع اختيار الأحزاب على 17 آذار لإجراء الانتخابات باعتبار مواعيد الأعياد اليهودية.

بعيداً عن هذه التفاصيل، فإن من أبرز ما يميز العملية الانتخابية المقبلة أنها تجري في الوقت الذي يفتقد فيه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو شعارات وأطروحات جذابة للناخب، وهو الذي حرص على رفع راية التهديد النووي الإيراني طوال السنوات الماضية، لكن هذه الأيام تشهد تكيفاً دولياً مع واقع تحول إيران إلى دولة نووية، لذا ليس لديه أي جديد يقدمه على هذا الصعيد.
ورغم أن إسرائيل خاضت حرباً استمرت 50 يوماً على قطاع غزة، لا تزال صواريخ المقاومة موجهة نحو مستوطنات الجنوب والوسط الإسرائيلي الذي ثبت لجمهوره أن أقصى ما يمكن أن يفعله نتنياهو له كان قد قدمه خلال المعركة السابقة.
أيضاً، لا تزال قدرات حزب الله الصاروخية والعسكرية في حالة تعاظم تصاعدية، وتغطي الأراضي الفلسطينية المحتلة كافة، بل تهدد المنشآت الاستراتيجية للداخل العبري، فيما ثبت مع الأيام أن الخيار المتاح أمام إسرائيل هو التكيف مع واقع الردع المتبادل. كذلك يواجه الاقتصاد الإسرائيلي أزمات قاسية على الجمهور، وهو ما يعترف به نتنياهو لكنه لم يقدم أي حلول سوى إلقاء المسؤولية على وزير المالية المقال، يائير لابيد.
على ناحية أخرى، ستجرى الانتخابات في ظل أجواء محتقنة في القدس المحتلة وعودة العمليات إلى ساحتها، فيما كان يفترض أن تكون المدينة منطقة آمنة للإسرائيليين، وخاصة أنها وفق شعار نتنياهو «العاصمة الأبدية لإسرائيل»، وأيضاً سقط معها كون سنوات حكمه الأكثر أمناً للجمهور. وبالذهاب إلى العلاقات الخارجية والدولية لإسرائيل، يشوبها هي الأخرى التوتر على خلفية السياسات الإسرائيلية، فضلاً عن أن التسوية على المسار الفلسطيني أبعد عن التحقق من أي وقت مضى.
ما سبق من عوامل تجعل جدول رئيس وزراء العدو خالياً من أي بريق، ولكن يُتوقع أن يقدم نتنياهو الانتخابات المقبلة كأنها استفتاء شعبي على إعادة انتخابه رئيساً للحكومة، على قاعدة، أكدها نتنياهو أمس، أن «من يريد رئيس حكومة قوياً ينبغي أن يصوّت لحزبه»، حتى لا يتكرر السيناريو الذي أدى إلى انتخابات مبكرة. أيضاً هذا الترويج لم يفلح في الانتخابات السابقة لإقناع الناخب اليميني، فتوزع تصويته على عدد من الأحزاب، بدءاً من «يوجد مستقبل» الذي استطاع جذب بعض ناخبي «الليكود»، وصولاً إلى «البيت اليهودي».
في المقابل، يترصد نتنياهو عدداً من القوى من خارج معسكر اليمين وحتى داخله. فبينما هناك من يريد إزاحته عن رئاسة الحكومة، تنبه نتائج الاستطلاعات إلى التواضع وتركيز الجهد على تعزيز الوضع التمثيلي كي يمكن ممارسة المزيد من الابتزاز السياسي وفرض الشروط والمطالب على نتنياهو في المرحلة المقبلة، وخاصة أن أحزاب اليمين تتصارع بنسبة كبيرة على الشرائح الاجتماعية نفسها.
ومع أن من المتوقع عدم حصول انقلابات جذرية في موازين القوى التمثيلية في الكنيست على مستوى المعسكرات، وحتى على مستوى معظم الأحزاب، فإن هذا لا يلغي أهمية الانتخابات المقبلة، كونها مناسبة لتظهير الحجم التمثيلي للقوى السياسية وسط الجمهور الإسرائيلي. إضافة إلى العامل السابق، فإن تبدل المشهد الحكومي لا يحتاج إلى تغييرات جذرية، بل قد يكفي انتقال كتلة ناخبة بحجم تمثيلي يبلغ نحو عشرة أعضاء كنيست من معسكر إلى آخر لإحداث نوع من التوازن بين المعسكرات. لكن مساحة الإجماع بين المعسكرات الإسرائيلية المتصارعة واسعة، فيمكن الجزم بأن أي تبدل مفترض في الحكومة لن يترك آثاراً دراماتيكية على العملية السياسية مع السلطة الفلسطينية، أو الأداء العملاني على مستوى المنطقة.
ثلاثة سيناريوات مرجّحة لتركيبة الحكومة المقبلة منها واحد مستبعد


في كل الأحوال، تتمحور احتمالات التركيبة الحكومية بين صيغتين أوردهما المعلق السياسي في صحيفة «هآرتس» ألوف بن. السيناريو الأول مرجّح حتى الآن، وفيه تشكيل حكومة يمين ـ حريديم، مع تعزيز قوة حزب وسط أو اثنين. مما يميز هذه التركيبة أنها ستلتزم سلم الأولويات التقليدي لمعسكر اليمين عبر العمل على زيادة موازنة الأمن، وتعزيز قوة المستوطنين والحريديم. كذلك ستستغل هذه الحكومة ضعف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، من أجل تفادي أي مخاطر سياسية وتعميق ضمّ الأراضي المحتلة، مع زيادة القمع ضد الوسط العربي داخل «الخط الأخضر».
الاحتمال الثاني هو تشكيل حكومة يسار ـ وسط برئاسة رئيس حزب «العمل»، يتسحاق هرتسوغ، مع دعم من الأحزاب الحريدية وحزب يميني واحد أو اثنين. ولكن هذه الحكومة لن يمكنها التوصل إلى حل سياسي مع السلطة، ولا سيما أنها ستكون أسيرة أصوات أعضاء كنيست ينتسبون إلى معسكر اليمين وسيرفضون أي اتفاق ينطوي على انسحاب من الأراضي المحتلة وإخلاء المستوطنات. هذه الحكومة، كما يرى بن، ستكون قادرة على بث رسالة اعتدال سياسي وتحسين العلاقات بين تل أبيب وواشنطن وأوروبا، وأن توجه اهتمامات كبرى وموارد إلى الداخل، مع العمل على تهدئة الصراع الداخلي بين اليهود والعرب، وأيضاً إلغاء اقتراحات قوانين عنصرية مثل «قانون القومية».
ويلفت بن إلى وجود احتمال آخر، لكنه لا يتلاءم في الوقت الحالي مع نتائج استطلاعات الرأي، وهو أن يتولى رئيس البيت اليهودي، نفتالي بينيت، رئاسة معسكر اليمين بدلاً من نتنياهو، أو حتى تحقيق موشيه كحلون وحزبه الجديد انتصاراً ساحقاً.
في كل الأحوال، يؤكد المعلق السياسي أن نتائج مشابهة، «حتى لو تحققت»، فإنها «لن تغير سياسة الحكومة المستقبلية»، عازياً ذلك إلى أنه في كل سيناريو سيكون لمعسكر اليمين قدرة على التعطيل ضد اتفاق سلام وإخلاء مستوطنات.