تونس | افتتحت تونس، يوم أمس، عهد برلمانها الجديد، تحت قبة «قصر باردو»، في جلسة عامة حضرها الأعضاء الجدد وأسلافهم في المجلس الوطني التأسيسي، إضافة إلى شخصيات وطنية، فيما كان الغائب الأبرز رئيس الجمهورية المؤقت، المنصف المرزوقي.
وبدا أن المجلس لم يكن مستعداً لاستقبال أعضائه الجدد، على خلفية عدم حسم الأطراف السياسية الفاعلة لعدد من النقاط، أبرزها مسألة التحالفات. وستشكل التحالفات السياسية المدماك الأول لعملية تقاسم المناصب ضمن المجلس الجديد، في مشهد يشير في بعض جوانبه إلى طبيعة الحياة السياسية التي تنتظرها البلاد في الأعوام الخمسة المقبلة.
وفي ظل غياب التوافقات، لم تختتم جلسة الأمس أعمالها، إثر تصويت وافق عليه 161 نائباً، ورفضه 22 آخرون، ولم يصوت تسعة أعضاء. وينص الدستور التونسي الجديد في الفصل 59 على أنه «ينتخب مجلس نواب الشعب في أول جلسة له رئيساً من بين أعضائه»، فيما لا يوجد، بعد، نظام داخلي للبرلمان يحدد آليات عمل الجلسات.
ويضم المجلس الجديد 217 نائباً، ينقسمون وفق الخريطة السياسية التالية: 86 نائباً عن «نداء تونس»، 69 عن «حركة النهضة»، 16 نائباً عن «الاتحاد الوطني الحر»، 15 نائباً عن «الجبهة الشعبية»، تسعة نواب عن «حزب آفاق تونس»، فيما تفرقت بقية المقاعد على «المؤتمر من أجل الجمهورية» و«الحزب الجمهوري» و«المبادرة» و«التيار الديموقراطي»، وبعض القوائم المستقلة. ولا يملك «نداء تونس» الأغلبية اللازمة (109 مقاعد) التي تؤهله لتشكيل الحكومة المقبلة بمفرده، لذلك يتعين عليه التحالف مع أحزاب أخرى.
وبدا أن الدعوة التي وجهها رئيس المجلس الوطني التأسيسي، مصطفى بن جعفر، إلى عقد الجلسة العامة يوم أمس قد مثلت مناورة لإرباك «نداء تونس»، وبعثرة أوراقه وحثّه على التسريع في مشاوراته واختيار حلفائه. ووجد «النداء» نفسه في مواجهة نص دستوري يفرض انتخاب رئيس للبرلمان، أي في الترجمة السياسية الفعلية لذلك: كان على الحزب ذي الأغلبية في البرلمان التوافق على مرشح مع حلفائه. لكن «النداء» وجد مخرجاً لذلك عبر تمديد الجلسة الافتتاحية لأكثر من يوم.
وكان رئيس الجلسة، علي بن سالم، (رئيس السن) قد اقترح «إبقاء هذه الجلسة مفتوحة على أن تستأنف الخميس القادم في الساعة العاشرة صباحاً (س 09.00 بتوقيت غرينتش).. يجري إيداع الترشيحات طوال يوم الغد (اليوم) وحتى استئناف الجلسة».
وفي حديث إلى «الأخبار»، علّق النائب عن «النداء»، الأزهر العكرمي، على مسألة ترك الجلسة الأولى مفتوحة، بالقول إن «هذا حق قانوني مكفول، ونداء تونس لم يرد إيقاف الجلسة، رغم وجود طيف واسع (موافق) على أنه يجب استئناف المشاورات حول رئيس للبرلمان قادر على إدارته بموافقة الأغلبية الساحقة للنواب».
من جهتها، وافقت «النهضة» على «مخرج النداء»، فيما رفضت ذلك «الجبهة الشعبية»، وقال المتحدث باسمها النائب فتحي الشامخي، لـ«الأخبار»، إن «الجبهة رفضت مقترح التمديد وستتحفظ عند التصويت عليه... قد ترشح (الجبهة) أحد نوابها لرئاسة المجلس».
وانبثق البرلمان الذي يحمل اسم «مجلس نواب الشعب» من الانتخابات التشريعية التي جرت في 26 تشرين الأول، وأعطى دستور تونس الجديد الذي صدّق عليه «المجلس الوطني التأسيسي» في 26 كانون الثاني 2014، صلاحيات واسعة للبرلمان. وكان المجلس التأسيسي المنبثق من انتخابات 23 تشرين الأول 2011، التي فازت فيها «حركة النهضة»، قد وسع صلاحياته ليمارس العمل التشريعي خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

«تغييب» المرزوقي

بدا أن الرئيس المؤقت، المنصف المرزوقي، قد أُقصي عن «حفل الافتتاح»، إذ لم يُدعَ إلى الحضور، فيما كان رئيس الحكومة، مهدي جمعة، مشاركاً، إضافة إلى الرئيس السابق، فؤاد المبزع، وكل من زعيم «نداء تونس»، الباجي قائد السبسي، ورئيس «حركة النهضة»، راشد الغنوشي.
واستغرب مدير حملة المرزوقي الرئاسية، عدنان منصر، «تغييب» المرزوقي. وقال: «لم يُدعَ رئيس الجمهورية لحضور الجلسة الافتتاحية للبرلمان المنتخب. حسب التنظيم المؤقت (للسلطات) الذي لا يزال ساري المفعول، لا يمكن رئيسَ الجمهورية أن يذهب إلى المجلس دون دعوة». وأضاف: «كثر يعرفون ذلك ويتصرفون وكأنهم لا يعرفون. يُفترض أننا ندير دولة بمؤسساتها ونواميسها وليس مزرعة عائلية، ولكن منطق المزرعة العائلية العائد إلينا من الماضي الكريه يروق كثيراً من الناس في ما يبدو».
ولمّحت أطراف داخل حزب «المؤتمر» إلى أنه لم يُدعَ المرزوقي «تحت ضغط من حزب نداء تونس الذي لا يرغب في أن يرى منافس زعيمه في الدورة الثانية للرئاسية (الباجي قائد السبسي) في هذه المحطة التاريخية». أما رئيس المجلس التأسيسي، مصطفى بن جعفر، الذي أشرف على التنظيم والإعداد لهذه الجلسة، فقد صرح بأن أسباب استبعاد المرزوقي «بروتوكولية بحتة». وأكد أنه لا يجوز في التقاليد والأعراف أن يحضر رئيس الدولة ورأس السلطة التنفيذية في الجلسة العامة الافتتاحية للبرلمان الجديد.




المتنافسون على رئاسة البرلمان:

*مرشح «نداء تونس»، محمد الناصر (80 عاماً). يُعَدّ الأوفر حظاً في الوصول إلى رئاسة البرلمان، وهو من أهم قيادات «النداء»، وتخرج عام ١٩٥٦ من «معهد الدراسات العليا في القانون» في تونس، ثم حصل على درجة الدكتوراه في «القانون الاجتماعي» في باريس عام ١٩٧٦.
عمل الناصر وزيراً للشؤون الاجتماعية من ١٩٧٤ حتى ١٩٨٥، وشغل ممثل البعثة التونسية لدى الأمم المتحدة من عام ١٩٩١ وحتى ١٩٩٦. آخر منصب سياسي شغله هو وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة الباجي قائد السبسي، التي استمرت من شباط ٢٠١١ وحتى شهر تشرين الأول من العام ذاته.
*ياسين إبراهيم، وهو الأمين العام لـ«حزب آفاق تونس». سياسي ورجل أعمال شاب انطلق في العمل السياسي مع أول حكومة بعد عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، كوزير للنقل. ثم استقال ليؤسس «حزب آفاق تونس» الذي اندمج مع «الحزب الجمهوري» عام 2012 قبل أن ينشق عنه سريعاً. ويطرح أيضاً اسم ياسين إبراهيم جدياً خلال المشاورات الحالية، كمرشح لرئاسة الحكومة.
*مرشح «حركة النهضة»، سمير ديلو. شغل منصب وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في حكومة حمادي الجبالي، وهو من قيادات الصف الأول في «حركة النهضة».
*إذا أفضت المفاوضات السياسية الحالية إلى إسناد رئاسة البرلمان لـ«الجبهة الشعبية»، وهو احتمال يبدو ضعيفاً، أشارت المعطيات إلى أنها قد تقدم زياد لخضر.