القاهرة | جاءت تداعيات القرار القضائي ببراءة الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، وبقية المسؤولين، لتلقي الضوء على واقع الشباب المصريين بعد مرور نحو أربعة أعوام على اندلاع «الثورة»، وتنحّي «الريّس» عن سدة الحكم. فيبدو أن اليأس والإحباط باتا يحاصران مستقبل فئة، ليست بقليلة، من الشباب الذي أثار، سابقاً، جذوة «الحراك الثوري»، مع انتشار واسع أمس لهاشتاغ «داعش هي الحل».
وتتأتى أسباب الإحباط بين الشباب مما يوصف بـ«فشل ثورة 25 يناير» وعودة «رجال مبارك» لتصدّر المشهد في البلاد مرة جديدة، وصولاً إلى القرار القضائي الصادر أول من أمس. كلها عوامل تضافرت لتدفع بفئة من المصريين نحو خيارين لا ثالث لهما: إما الانتحار خلاصاً من حياة بائسة، أو تزايد الاقتناع وسط شريحة واسعة بأن الحل في الخلاص من الوضع الحالي يكمن في «الثورة المسلحة».
وفيما يظهر موقف هؤلاء متناقضاً مع شعارات حراك عام 2011، «سلمية سلمية»، فإن التحول الجذري حفزته التطورات السياسية والاجتماعية في البلاد خلال أربعة أعوام مضت.
كذلك يتزايد الاقتناع بوجود حالة من الإحباط بين المصريين إذا أخذ في الاعتبار واقع أنّ دفاتر الحكومة المصرية سجلت 45 حالة انتحار خلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط. ومن بين الحالات المذكورة ثلاث فقط تجاوزوا عتبة الثلاثين عاماً، والباقي كانوا من الشباب، في ظاهرة جديدة تغمر مجتمعاً يوصف، دائماً، بأنه «متدين بالفطرة».
سجلت الحكومة 45 حالة انتحار خلال الأشهر الثلاثة الماضية

يشرح أستاذ الطب النفسي في «جامعة الزقازيق»، أحمد عبدالله، كيف وقع «جيل 25 يناير أسيراً للإحباط والانتحار». فيقول إن «كثيراً من التقديرات التي بنى عليها جيل 25 يناير، لم تكن دقيقة، بل تجافي الواقع كثيراً». ويضيف لـ«الأخبار» أن «اعتقادهم أنه بمجرد تنحّي (حسني) مبارك ستسير كل الأمور نحو الأفضل، اقتناعاً بأن وجود مجموعة ضحّت بحياتها في سبيل هدف يعني تحقق هذا الهدف على أرض الواقع، وهو أمر ثبت أنه غير صحيح».
ويرى المتخصص في الطب النفسي أن ما ذُكر «لا يعيب الشباب، لأن الإنسان غالباً يضع تصورات يثبت (لاحقاً) أنها غير دقيقة»، مستدركاً: «مع طريقة ونمط تفكير المصريين وثقافتهم، فإن الاصطدام بالواقع يعني الفشل، وهو ما يعني تلقائياً دخول صاحب هذه التقديرات في المتاهة المظلمة». بالتوازي مع تمدد ظاهرة الانتحار وانتشارها وسط بعض الفئات، تبدو ظاهرة الإعجاب بتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) واضحة ضمن أوساط كبيرة في الشباب الإسلاميين، وحتى الشباب المسيّسين عموماً. نظرة بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي تكشف بوضوح أن «داعش» تحوّل إلى نموذج ملهم لهؤلاء. هنا يربط الباحث في مركز التقدم الأميركي، مختار عوض، بين قرار تبرئة مبارك ووزير داخليته، حبيب العادلي، من تهمة «قتل المتظاهرين»، وتمدد ظاهرة «الشباب الراديكالي». يقول لـ«الأخبار»: «لا يوجد محفز أقوى من براءة مبارك وابتسامة العادلي لتوجيه تفكير الشباب نحو الاقتناع بأفكار السلفيين الراديكاليين»، مضيفاً لـ«الأخبار» أن «تظاهرات يوم 28 نوفمبر (الجمعة الماضي) تكشف أن قطاعاً من الشباب يضع رجلاً داخل السلمية، والأخرى متجهة نحو الراديكالية». ويستدرك: «رغم رفع شعارات دينية، فإن الاتجاه نحو الراديكالية يمكن فهمه في سياق الكفر بالدولة والمجتمع الفاسد الذي يساند الطغاة».
عوض يرى أن «التحولات نحو العنف ستبدأ أولاً باعتناق الفكر الراديكالي، ومع الوقت سيحدث التحول إلى اقتناع بأن الأفكار الراديكالية لا تطبق من دون الأساليب الراديكالية، أي العنف». وهو ما ذهب إليه الباحث في مركز سيتا للدراسات السياسية والاستراتيجية، مصطفى زهران، بالقول إن مشهد السجال القائم بين مؤيدي السلطة والقوى الإسلامية التقليدية بشأن حكم البراءة على مبارك يخلق «حاضنة أصيلة للأفكار المتطرفة والمتشددة، وخصوصاً حينما تتعمق المظلومية».