وقف أبو راشد يخطب فيهم باللغة العربية وإذا بالحضور يتلفتون يمنة ويسرة. استعان بمترجم ليترجم حديثه بلغة «الأوردو» علّه يوصل ما أراد قوله كي يصوتوا له في الانتخابات، التي أجرتها سلطات «آل خليفة» في تشرين الثاني 2014. المرشح أخبر البحرينيين الجدد أنهم «سواسية كأسنان المشط أمام القانون، وما دام ملك البلاد المعظّم قد رضي عنكم وجعلكم بحرينيين فنحن راضون عنكم ونعتبركم مثلنا». على المقلب الآخر، سيد أحمد الموسوي ــ البحريني أباً عن جد ــ يحكم عليه قضاء «آل خليفة» في تشرين الثاني عام 2015 بالسجن عشر سنوات، ويجرّده من جنسيته بسبب تغطيته تظاهرات سلمية في شوارع المنامة. هذا هو المشهد القاتم الذي ارتضاه نظام «آل خليفة» للبحرين، إحلال الآخرين مكان الشعب الأصلي صاحب الأرض؛ آخرين استجلبهم من دول عربية وآسيوية ولاتينية، يوطّنهم ويمنحهم جنسيته ويستعين بهم لقمع شعبه، مرتكباً جريمة متعددة الأوجه بحق أبنائه وعروبة البلد وهويته.
في أحدث إحصائية ترصد أعداد المجنّسين في البحرين، كشفت عنها جمعية «الوفاق الوطني الإسلامية» في آب عام 2014، تشير الأرقام إلى أن ما يقارب 95 ألفاً جرى تجنيسهم خارج إطار الزيادة الطبيعية للسكان بين عامي 2002 و 2014، مع الإشارة إلى أن «الوفاق» حصلت على أرقامها من الإحصاءات الرسمية الصادرة عن السلطات وليس من طرف معارض. ورأت «الوفاق» آنذاك أن هناك تغييرا في التركيبة الديموغرافية للبلد بنسبة 17%، والأعداد ستتصاعد حكماً ليصير عدد المجنسين عام 2030 ما يلامس 40% من نسبة السكان، وفي 2040 لا يمكن أن يصمد النص الدستوري بأن البحرين عربية إسلامية، لأن هويتها ستتبدّل كون التجنيس يستقطب الكثير من الديانات.
يقول المساعد السياسي للأمين العام لـ«الوفاق»، خليل المرزوق، إن «آل خليفة يعتبرون التجنيس حصانة تحفظ لهم مكانتهم، ولكنه إن استمر بهذه الوتيرة، فستختلّ الموازين وسيصير القلق من التحول الديموغرافي أكبر من القلق حول نسب تعداد الشيعة والسنة، بل يصير الطرفان أقلية والأمر حتماً مضرّ بالعائلة الحاكمة».
شريت واستؤجرت أراضٍ بدينار بحريني واحد (3 دولارات أميركية تقريباً)

في اليوم التالي لنشر تقرير «الوفاق» حول التجنيس، غرّد الأمين العام للجمعية الشيخ المعتقل علي سلمان، على «تويتر» داعياً البحرينيين «سنة وشيعة» إلى «تحمل عبء إنجاب طفل زيادة لمواجهة مشروع التجنيس الكارثي».
وأواخر 2014، كان السفير الباكستاني في البحرين آنذاك، محمد الأحد، قد كشف في حديث لصحيفة «غالف دايلي نيوز» البحرينية، أن عدد الباكستانيين الذين يمتلكون جواز سفر بحرينيا يراوح بين 25 إلى 30 ألفا.
لعل سلطات «آل خليفة» لم تفطن إلى ما ينصّ عليه القانون الباكستاني، ليتضح حجم الجريمة على لسان ذلك السفير. تساءل متابعون لملف التجنيس عن أعداد المجنسين من هنود وبنغال ودول عربية ولاتينية إذا كان الباكستانيون وحدهم يقدرون بعشرات الآلاف. لكن المضحك والمثير للسخرية ما صرحت به سلطات «آل خليفة» بعد شهر من قنبلة السفير الباكستاني، في معرض اعتراضها على تجنيس قطر بعض البحرينيين الذين هاجروا نتيجة عوامل عدة، أهمها التجنيس والحالة الاقتصادية المتردية. آنذاك صرح وكيل وزارة الداخلية لشؤون الجنسية والجوازات والإقامة، بأن «دولة قطر مستمرة في عملية تجنيس البحرينيين ولم تلتزم إيقاف ذلك وفقاً لما تعهدته سابقاً».
جريمة التجنيس التي يراهن عليها ويستثمر فيها ملك البحرين وأركان حكمه، تسير بالتوازي مع جريمة أخرى لا تقل خطورة، هي سرقة ونهب الأسرة الحاكمة أراضي وعقارات الدولة وسواحلها عبر مصادرتها لحسابهم الخاص أو استئجارها بمبالغ زهيدة لعشرات السنوات. قبل اندلاع الثورة عام 2011 بأشهر، شهدت المنامة فضيحة كبرى كان الشعب البحريني بمختلف أطيافه ضحيتها. فقد اكتشف نواب بحرينيون أن الديوان الملكي ورئيس الحكومة وأفراداً من العائلة المالكة نهبوا ما قيمته 65 كيلومتراً مربعاً من عقارات الدولة تقدّر قيمتها بنحو 40 مليار دولار، وتكفي لحل مشكلة الإسكان المزمنة حتى 2030، في بلد معروف عنه صغر حجم مساحته.
عرقلت الحكومة ونواب موالون عملية التحقيق، التي أجرتها لجنة برلمانية سميت «لجنة التحقيق في أملاك الدولة»، كشفت عن سرقة موصوفة للأملاك العامة كان بطلها دون أي منازع رئيس الحكومة، خليفة بن سلمان آل خليفة، الذي تظهر إحدى الوثائق المسربة (صورة الوثيقة على الموقع) أنه اشترى عقار «مرفأ البحرين المالي» بدينار بحريني واحد، أي ما يعادل ثلاثة دولارات أميركية تقريباً لا غير!
لم يكتف خليفة بن سلمان بالأراضي الشاسعة التي كان قد منحه إياها الملك السابق عيسى بن سلمان في التسعينيات، بل تظهر الأرقام والوثائق أن نجل الملك وولي عهده سلمان بن حمد، استحوذا أيضا على الجزر الاصطناعية التي شيّدت عليها الفنادق والمطاعم الفخمة، أهمها وأكبرها جزر «أمواج» وجزيرة «درة البحرين» وجزر «ديار المحرق» وجزر «مارينا وست»، يضاف إليها مشروعا «الرفاع فيوز» وحلبة البحرين الدولية، التي وفق لجنة التحقيق البرلمانية و«جمعية الشفافية البحرينية» استأجرت أراضي الدولة بدينار بحريني واحد في السنة!
اندلعت الثورة مطلع 2011 واستقال لاحقاً نواب المعارضة من البرلمان، لكن توالى الكشف عن فضائح نهب الأراضي وسرقتها على يد الديوان الملكي وأركان الحكم، ففي شباط 2012 كشف القيادي في «الوفاق» عبد الجليل خليل، عن وثائق تثبت تحويل ملكية عقارات من أملاك عامة إلى خاصة، ومنها عقار في قرية «قلالي» تبلغ مساحته 21 كيلومتراً مربعاً، إضافة إلى عقارات في مناطق القدم وكرانة والبسيتين تبلغ مساحتها أكثر من 20 كيلومتراً مربعاً. هذه الأرقام المخيفة التي ترصد نهب أملاك الدولة ومقدراتها ممن يُفترض به أن يكون حارساً عليها، نقلت البحرين في ترتيب «مؤشر مدركات الفساد» الصادر عن «منظمة الشفافية الدولية»، من المركز 27 عام 2003 إلى المركز 50 عام 2015.