بعد تسارع الأحداث السياسية في اليمن منذ أيلول الماضي، شهدت الأيام القليلة الماضية أحداثاً قد ترسم مستقبل البلاد، الذي لم تتضح صورة خريطته السياسية تماماً، منذ سيطرة جماعة «أنصار الله» (الحوثيون) على صنعاء، وحصْدها مكاسب تلو أخرى. ففي خطوةٍ غير مسبوقة، التقت الجماعة بحزب «التجمع اليمني للإصلاح» الإسلامي، الذي أبعده حراك الحوثيين الأخير عن المشهد السياسي الفعلي في البلاد، واضعاً حدّاً لنفوذ «الإخوان» في اليمن، ومن خلفهم الداعم القطري.
خطوةٌ قياسية في سرعتها، ومستغربة في آنٍ، لكون الصراع الميداني بين أنصار «الإصلاح» ومقاتلي «أنصار الله» لا يزال مستعراً في وسط البلاد، إضافةً إلى التجاذب السياسي المتواصل بين الطرفين. غير أن محلّلين ربطوا هذا الاجتماع المفاجئ بمشروع اتفاق بين الجهتين، لمواجهة «المؤامرة» التي يحيكها الرئيس عبد ربه منصور هادي لفصل الجنوب عن الحكومة المركزية، استجابةً لمطلب «الحراك الجنوبي» بالانفصال، في ظلّ دعمٍ سعودي.
وبعد أزمةٍ سياسية تسبّبت بها سيطرة الحوثيين على صنعاء في 20 أيلول الماضي، اجتمع حزب «التجمع اليمني للإصلاح» بجماعة «أنصار الله»، «بهدف خفض التوتر في البلاد التي أصبحت على حافة الفوضى»، كما أعلن «الإصلاح».
وأضاف الحزب، في بيانٍ نشره على موقعه الإلكتروني، إن الجانبين عبرا عن رغبتهما في «التعاون في بناء الدولة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة»، متابعاً أنه «تم الاتفاق بين الجانبين على استمرار التواصل لإنهاء كل أسباب التوتر ومعالجة التداعيات التي حدثت خلال الفترة الماضية».
من جهتهم، أعلن الحوثيون، أول من أمس، أن «وفداً من التجمع اليمني للإصلاح التقى (زعيم الجماعة) السيد عبد الملك الحوثي، من أجل طيّ صفحة الماضي والتوجه نحو بناء الثقة».
واعتبر عضو المكتب السياسي في جماعة «أنصار الله»، علي القحوم، أن الاتفاق على فتح حوار مع «الإصلاح»، يؤسس لمرحلة جديدة من التعايش بين الطرفين. وقال إن التفاهمات في الوقت الحالي بين الأطراف السياسية في اليمن «مطلوبة جداً»، ولا سيما أن البلد يمر بمرحلة خطيرة، مشدداً على ضرورة أن يتحمل الجميع المسؤولية في حل المشكلات الحالية ونسيان الماضي.
وقال مسؤول في «الإصلاح» إن حزبه والجماعة «يتفاوضان بشأن مشروع اتفاق»، ناقلاً عن مصدر قريب من المفاوضين أنه «سيزيل خطر نزاع مذهبي» في اليمن. وفي وقت سابق، قال رئيس الكتلة البرلمانية لحزب «الإصلاح»، زيد الشامي، إن حزبه «اتفق خلال لقاء وفد تابع له مع الحوثي على بدء صفحة جديدة، وفتح حوار لمعالجة التداعيات التي حدثت بعد دخول الحوثيين صنعاء في أيلول الماضي».

وهذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها «الإصلاح» فتح حوارات أو لقاءات بينه وبين الجماعة التي لا تزال تسيطر على عدد من مقاره في العاصمة صنعاء. كذلك، جاء اللقاء «التاريخي» بعد يوم واحد من هجومٍ «الإصلاح» على الجماعة، في بيانٍ شديد اللهجة، عبّر فيه الحزب الإسلامي عن رفضه لـ«تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها الجماعة».
البنتاغون: شاركنا القوات اليمنية في عملية تحرير الرهائن من «القاعدة»

في هذا الإطار، رأى المحلل السياسي اليمني عارف أبو حاتم، في حديثٍ إلى وكالة «الأناضول» أن «حزب الإصلاح وجماعة الحوثي تنبّها، أخيراً، لما يُخطط له الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي في ما يخص وضع الجنوب، وأن الأخير بدأ بترتيب الوضع الخاص به هناك، وهذا يستلزم توافقاً شمالياً لمواجهته».
وأضاف أبو حاتم إن «الإصلاح والحوثي أدركا، متأخرَين، أن الرئيس هادي وسلفه علي عبد الله صالح، رتّبا للوقيعة بين الطرفين، وأن اتفاق إنهاء التوتر هو بمثابة تفويت الفرصة على الرئيسين، والتوجه نحو دعم حكومة خالد بحاح باعتبارها الفرصة الأخيرة المتاحة، ومن خلال هذا سيستطيع الطرفان إقناع دول الخليج، وخصوصاً السعودية، بدعم اليمن، الذي توقّف بعد دخول الحوثيين إلى صنعاء».

في هذا الوقت، بدأ «الحراك الجنوبي»، أمس، بإغلاق المنافذ الحدودية السابقة بين شمال اليمن وجنوبه، في سياق الخطوات التصعيدية للمطالبة بالانفصال وإنهاء الوحدة اليمنية التي تمّت بين الطرفين في عام 1990. وفيما يتقدّم الحوثيون جنوباً، تعهّدت الدولة اليمنية بحماية تظاهرات الحراك، يوم أمس، حيث أعلن المتحدث الرسمي باسم الجيش اليمني، سعيد الفقيه، أن التظاهرات «ستكون تحت حماية الوحدات العسكرية والأمنية».

على صعيدٍ آخر، أعلن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، أول من أمس، أن بلاده ساعدت القوات اليمنية في تحرير بعض الرهائن اليمنيين ورهينة إثيوبي، من قبضة تنظيم «القاعدة»، في أول إقرار بالمشاركة في العملية عقب تقارير صحافية تحدثت عن ذلك.
وأوضح المسؤول الأميركي، في مقابلةٍ مع «الأناضول»، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: «بعد التشاور مع الرئيس اليمني (عبد ربه منصور هادي) ، قام الجيش الأميركي بالتعاون مع القوات اليمنية بعملية أخيراً، نجم عنها تحرير رهائن يمنيين ورهينة إثيوبي».

(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)