المواثيق الدولية التي صدّقت عليها البحرين، وخصوصاً اتفاقية «حقوق الطفل»، لا ثقة فيها، فهي لا تحمي الطفولة في هذه البلاد، ولم تمنع نظام «آل خليفة» من أن يقتل الأطفال ويعتقلهم ويعذّبهم، أو يعتدي عليهم في الشوارع بأعقاب البنادق، ويحاكمهم بتهمة الاعتداء على «رجال الأمن»! لم يعد النظام يخجل من استهدافه الأطفال برغم الإدانات الدولية الواسعة، بل زاد وتيرة انتهاكاته ضدّهم، وصار يتبجّح بأن هؤلاء ليسوا «أطفالاً»، بل «إرهابيون» و«مجرمون».
تذكر بيانات المنظمات الحقوقية البحرينية وجود ما يتجاوز 250 ممن يمكن تصنيفهم ضمن فئة الأطفال والطلبة معتقلين في السجون البحرينية ضمن إحصاءات 2015، وجميعهم اعتقلوا على خلفية الأحداث السياسية، ولا يزال بعضهم يحاكم تحت قضايا تندرج ضمن قانون الإرهاب. وأفاد «مرصد البحرين لحقوق الإنسان» بأن تشرين الثاني الماضي سجل أعلى عدد من اعتقالات الأطفال وصل إلى 100، فيما أوضحت تسع منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان في بيان موحَّد صدر في 20 تشرين الثاني، أن السلطات منذ 2011 حتى وقته «انتهكت حق الأطفال في الأمان على نفسهم بقتل أكثر من عشرة دون سن 18، وتعرض للاعتقال أكثر من 1500 طفل لا يزال بعضهم معتقلاً ويحاكم في قضايا تندرج ضمن قانون الإرهاب».
كذلك كشف تقرير لجمعية «الوفاق الوطنية الإسلامية» صدر في أيار الماضي، أنه رصد في 2014 تسجيل 245 حالة اعتقال تعسفي لأطفال، وأن المجموع الإجمالي لحالات الاعتقال التعسفي للأطفال منذ بداية «ثورة 14 فبراير» في 2011، حتى 2014، بلغ 727 طفلاً، بينهم ثلاث إناث.
ومعظم الأطفال، الذين تعرضوا للاعتقال، كانوا يسحبون من داخل منازلهم، أو بالقرب منها، كذلك من مدارسهم، ومن حافلات المدرسة، ومن قاعات الامتحان. في 2011 مثلاً، دهمت القوات الأمنية البحرينية ما لا يقل عن 12 مدرسة (الابتدائي والثانوي، البنين والبنات) واعتقلت طلاباً وطالبات. ولم يضع النظام حدوداً لاستهدافه للأطفال من ناحية العمر أو حتى البنية الجسمية، ففي 2012 استدعيت الطفلة أبرار (8 سنوات) للتحقيق معها بتهمة المشاركة بمسيرة في العاصمة المنامة. وفي العام نفسه، اتهمت مديرة مدرسة طفلاً في الثامنة من عمره كان يلعب بقنينة ماء وضع فيها حبراً أزرق بأنه يصنع قنابل «مولوتوف»، واستدعت الشرطة التي دهمت المدرسة وسجلت الحادثة كقضية جنائية.
وفي 2013، اعتقلت القوات الأمنية الطفل علي عيسى (10 سنوات) بينما كان يلعب مع أصدقائه قرب منزله، واتهم بالتجمهر وحيازة قنابل «المولوتوف»، فيما اعتقل علي الشوفة (17 عاماً) بتهمة انتقاد الملك على حسابه في «تويتر». كذلك اعتقل الطفل محمد المؤمن (13 عاماً) في 2015، بعد إيقاف الباص الذي جاء فيه من رحلة إلى العراق على «جسر الملك فهد»، واتّهم بإحضار حقيبة مملوءة بصواعق التفجير من هناك. أيضاً اعتقل المعوّق سيد جعفر (16 عاماً) بسبب اتصال أجراه بصديقه المطارد، وقد خيّره الضابط بين التهم التي يريد توجيهها إليه: «هجمة أو مراقبة»، لكن المفاجأة أن النيابة العامة وجهت له تهمة ثالثة «قنبلة وهمية».
الأطفال يعتقلون، ويعذبون، ويحاكمون بتهم لا تناسب أعمارهم

تعذيب شديد خلال الاعتقال

أفاد الأطفال المعتقلون بأنهم تعرضوا للتعذيب الشديد خلال اعتقالهم، جسدياً مثل الصفع والركل، أو التحرش الجنسي، أو الصعق الكهربائي، ونفسياً كالتهديد باعتقال الوالدين، ونعتهم بألفاظ نابية. وقد أفرد تقرير الخارجية الأميركية في 2013 عن حقوق الإنسان في البحرين، فقرة كاملة عن تعرض الأطفال للتعذيب والمعاملة القاسية.

الأطفال في المحاكم

في البحرين يعامل الأطفال معاملة الراشدين، فيعتقلون، ويعذبون، ويحاكمون بتهم لا تناسب أعمارهم ولا أجسادهم الضعيفة. التهم التي توجه إليهم هي نفسها تهم الراشدين والرجال، كتهمة التحريض على كراهية النظام، وقلب النظام، والتجمهر، الاعتداء على قوات الأمن، وحمل المولوتوف، والإرهاب، وتكسير سيارات الشرطة. ولم يسلم الطفل البحريني من المحاكم العسكرية التي أقامها النظام في مرحلة «السلامة الوطنية» في 2011، فقد حوكم علي عبد الكريم سلمان (16 عاماً) وهو أصغرهم عسكرياً، وحكم عليه القاضي العسكري، يوسف راشد فليفل بالسجن، لمدة 15 عاماً.
وفي 2012، حكم على الطفلين إبراهيم المقداد (15 عاماً)، وجهاد الحبشي (16 عاماً) بتهمة حرق مدرعة، بالسجن عشر سنوات، وذلك بموجب قانون الإرهاب. وفي 2014 أودع الطفل جهاد السميع (10 أعوام) سجن الأحداث بعد الحكم عليه بقضية تجمهر وشغب وإتلاف سيارتين لوزارة الداخلية والاعتداء على موظف عام، وذلك وفق القانون نفسه.

... وضحايا القمع

إن الأطفال الذين يسكنون مناطق ذات غالبية معارضة هم الضحية الأكبر لممارسات القوات الأمنية. الإفراط في استخدام الغازات المسيلة للدموع والسامة وتعمد إطلاقها داخل المنازل أدى إلى حدوث اختناقات كثيرة أودت بحياة مجموعة منهم. واستخدام رصاص «الشوزن»، الذي بات يخترق أجسامهم الغضّة، بكثرة أنتج عدداً كبيراً من الأطفال المصابين، إضافة إلى استشهاد بعضهم.
تشير إحصاءات لمنظمات حقوقية إلى وجود 27 حالة وفاة لأجنة في بطون أمهاتهم ما بين 2011 حتى 2014، والسبب أن هؤلاء الأمهات تعرضن لاستنشاق كميات كبيرة من الغازات المسيلة للدموع، فيما استشهد عدد من الأطفال بسبب استنشاقهم كميات كبيرة من الغازات السامة منهم، ياسين العصفور (14 عاماً) في 2012، وقاسم حبيب (8 سنوات) في 2013.
واستشهد الطفل علي الشيخ (14 عاماً) بسبب طلقة غاز المسيل للدموع في 2011، فيما فقد الطفل أحمد النهام (5 سنوات) عينه اليسرى في 2013 بسبب تعرضه لرصاص «الشوزن» عندما كان بجانب والده في أثناء بيعه السمك. في العام نفسه، تعرضت الطفلة فاطمة الخواجة (15 عاماً) لطلقة «الشوزن» في بطنها وصدرها وهي داخل منزلها، وأدخلت إثرها المستشفى مرتين بسبب النزف الحاد. وفي 2014 استشهد الطفل السيد محمود (14 عاماً) بعدما تعمدت القوات الأمنية استهدافه برصاص «الشوزن» من مسافة قريبة، وفي 2015 أصيب الطفل محمد السواد (13 عاماً) برصاص «الشوزن» فقد بسببها عينه اليسرى، وأجريت له عملية جراحية في العين الأخرى في محاولة لإنقاذها.

... وشهداء

بلغ عدد الأطفال الشهداء 24 ما بين 2011 حتى 2014، وتعددت الأسباب التي أودت بحياة هؤلاء الأطفال. فمنهم من سبّب الغاز المسيل للدموع اختناقه ووفاته، ومنهم من أصيب بطلقات «الشوزن» في مناطق خطيرة في جسده في أثناء الاحتجاجات السلمية، ومنهم من تعمد دهسه حتى الموت. وكان الطفل الشهيد السيد أحمد شمس (14 عاماً) أول الضحايا بعد قمع المعتصمين في «دوّار اللؤلؤة» في آذار 2011، وتركته قوات الأمن بعدما أصابته بطلق ناري يعاني دون إسعافه حتى فارقت روحه الحياة. أما الطفل علي بداح ( 16عاماً)، فاستشهد بعد دهسه بسيارة تابعة لقوات الأمن أثناء الاحتجاجات. وفي حادث لا يزال غامضاً، استشهد الطفلان علي عباس (16 عاماً) وأحمد المسجن (17 عاماً) بعد انفجار السيارة التي كانا يستقلانها في 2014، وقد وصفت تنظيمات سياسية ومنظمات حقوقية الحادث بالغامض.




الأطفال في تقرير «بسيوني»
أفرد رئيس «اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق»، البروفيسور محمود شريف بسيوني، أجزاءً من تقريره عن الانتهاكات ضد الأطفال، مؤكّداً تعرضهم لـ«الإرهاب» إلى جانب أفراد كل عائلة يُدهم منزلها. وقال إن العديد من الآباء والأمهات اعتقلوا وتعرّضوا لاعتداءات أمام أعين أطفالهم! وذكر بسيوني أن «محققي اللجنة شهدوا إحدى الوقائع التي جرى فيها القبض على أطفال دون الخامسة عشرة، ووجد المحققون عدداً من الأولاد المراهقين يقفون مكبلين ومعصوبي الأعين. كان الأولاد جميعاً قد تعرضوا للضرب، كما كانت ثمة حروق في صدر أحدهم وهو في الرابعة عشرة جراء الحرق بالسجائر» (الفقرة 1138).

* كاتبة من البحرين