خطا الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خطوة جديدة، انطلاقاً من العاصمة الفرنسية باريس، في مسار استعادة الحضور الدولي لبلاده على الساحة السياسية العالمية. فبعد روما، استثمر السيسي في باريس، يوم أمس، في مشهد الأزمات المحيطة ببلاده، والمؤثرة على أمن دول حوض البحر الأبيض المتوسط، الأوروبية، ليطرح بلاده كركيزة أساسية في حل الأزمات الإقليمية.
ويبدو أن المكسب الأكيد الذي حققته الرئاسة المصرية، خلال الجولة الأوروبية وزيارة باريس التي استقبلته باستعراض حرس الشرف، تمثل في استعادة شرعية الحضور على الساحة الدولية. وكباب شرعي لإعادة العلاقات مع القاهرة إلى سابق عهدها، دعا الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، السلطات المصرية الجديدة إلى المضي قدماً في «عملية الانتقال الديموقراطي». وقال، في تصريح صحافي أدلى به وهو يقف إلى جانب السيسي في قصر الإليزيه: «نرغب في أن تتواصل العملية، عملية الانتقال الديموقراطي التي تحترم خريطة الطريق وتتيح بشكل كامل نجاح مصر». وتابع هولاند قائلاً إن فرنسا تنوي أن تكون شريكاً «قوياً مع مصر، لأن مصر بحاجة لفرنسا»، كذلك تريد أن تقيم «علاقة واضحة مع مصر».
وأضاف الرئيس الفرنسي أن مصر «عبرت مرحلة في منتهى الصعوبة كانت لها تداعيات إنسانية كبيرة»، داعياً إلى العمل على إيجاد «أكبر عدد ممكن من الاستثمارات». وأشار إلى أنه سيزور مصر، من دون أن يحدد موعداً لذلك.
سنفعل ما في وسعنا لإعادة دولة القانون إلى ليبيا



وشدد الرئيسان لدى تطرقهما إلى الوضع في سوريا على ضرورة «التوصل إلى حل سياسي»، حتى «لو كنا مضطرين في البداية إلى مكافحة الإرهاب» (الدولة الإسلامية)، كما قال هولاند.
وبشأن قضية «مكافحة الإرهاب»، رأى الرئيس الفرنسي أن «مصر في حرب ضد الإرهاب ولا يزال (الإرهاب) موجوداً في سيناء، وهو ما يفرض على الجميع العمل معاً لمكافحته، الذي يمكن أن يهدد بقية دول الجوار».
وعن الأوضاع في ليبيا، قال هولاند: «بحثنا ما يجب علينا فعله ونحن سنفعل ما في وسعنا لإعادة دولة القانون لكي تتمكن السلطات الليبية من الحفاظ على سلامة أراضيها، ولا سيما أن الإرهاب سيهدد المنطقة في المستقبل ولدينا أدلة على وجود مثل هذا الإرهاب».
وكان مصدر حكومي فرنسي قد قال، قبيل الاجتماع بين الرئيسين، إن «المصريين يعتبرون عن حق أننا نتحمل مسؤولية خاصة (في الشأن الليبي). لديهم انطباع بأنه لم يؤخذ برأيهم عام 2011 حين حذروا من مخاطر تدخل غربي، ويأملون أن يؤخذ برأيهم اليوم. يرون أنه ينبغي التدخل مجدداً في ليبيا، لكن لدينا شكوك في إمكانية تسوية هذه الأزمة بالقوة وحدها». وأضاف: «إننا بحاجة إلى الاتفاق بشأن ليبيا، حيث لا يمكننا الاستغناء عن حل سياسي».
من جهته، قال الرئيس المصري إن المباحثات التي أجراها مع نظيره الفرنسي «عكست تقارباً» في المواقف ووجهات النظر إزاء القضايا الثنائية والدولية والإقليمية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والأوضاع في كل من العراق وسوريا وليبيا.
وحول سوريا، قال السيسي، الذي حضر يوم أمس احتفالاً عسكريا في «قصر الأنفاليد» الذي يضم قبر نابليون بونابارت، إن «المناقشات عكست تفهماً كبيراً لضرورة التوصل إلى حل سياسي يضمن حقن الدماء ويحمي مؤسسات الدولة السورية، ويحافظ على وحدة التراب السوري». بينما أشار في الشأن الليبي إلى أنه تشارك ونظيره «المخاوف إزاء التطورات السلبية في ليبيا المرشحة لأن تكون بيئة خصبة للجماعات التكفيرية والإرهابية». وأضاف أنه اتفق مع الرئيس الفرنسي على «ضرورة العمل على وقف هذا النزف المستمر (من دماء الليبيين) عبر دعم الشرعية التي أقرها وأيدها الشعب الليبي»، متابعاً: «نحن ندعم الشعب الليبي وندعم الجيش الوطني الليبي وإرساء الحوار بين كافة الأطراف».
في غضون ذلك، شكلت المواضيع الاقتصادية جانباً كبيراً آخر من المحادثات، في وقت تريد فيه القاهرة أن تنظم في الفصل الأول من عام 2015 مؤتمراً اقتصادياً دولياً لإنعاش اقتصادها. ووقعت، أمس، باريس والقاهرة اتفاقات تبلغ قيمتها ملايين اليوروات لمترو القاهرة ومع المساعدة الفرنسية للتنمية. وجرى التطرق إلى السياحة، أحد أبرز القطاعات الاقتصادية في مصر. وخاطب السيسي الفرنسيين بالقول: «عليكم ألّا تخشوا شيئاً»، وذلك بعدما التقى في الصباح مسؤولين في القطاع السياحي. وأضاف: «ما إن نعطي تاشيرة الدخول نتحمل مسؤوليتنا بحمايتهم. إننا نرحب بالسياح». فيما قال الرئيس الفرنسي: «ندرك أن مصر تحتاج إلى هذه الثقة».
وفي شق التعاون الاقتصادي بين البلدين، كانت شركة «دي سي ان اس» الفرنسية لبناء السفن قد وقعت في مطلع الصيف عقداً بقيمة مليار يورو مع مصر لتزويد البحرية المصرية بأربعة زوارق سريعة من طراز «غويند». وقال مصدر حكومي فرنسي بهذا الصدد إن «هذا المشروع يفتح أبواباً لأنه يثير أيضاً الكثير من الاهتمام لدى دول الخليج»، مضيفاً أنه سيجري التطرق خلال المحادثات إلى إمكانية شراء زورقين إضافيين. وأشار المصدر إلى أنه يجري البحث في تجديد الأسطول المصري من الطائرات الحربية من طراز «ميراج 2000».
وتأتي الجولة الأوروبية بالرغم من حملة القمع الشديدة التي مارستها السلطات المصرية الجديدة ضد أنصار سلف السيسي، الرئيس محمد مرسي، في وقت بقي السيسي فيه «شريكاً استراتيجياً» لا يمكن الالتفاف عليه، كما أكدت روما، وممثلاً لـ«بلد كبير وشريك كبير لفرنسا» بحسب باريس.
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)