تونس | بانتظار إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية للدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، أكدت كل المعطيات أن المنافسة انحصرت بين المرشحين: الباجي قائد السبسي وهو زعيم "نداء تونس" ورئيس الوزراء الذي نظم انتخابات 2011 والتي منحت الحكم لـ "حركة النهضة" ولحليفيها "المؤتمر من أجل الجمهورية" و"التكتل من أجل العمل والحريات" من جهة، وبين الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي من جهة ثانية.
لم تكن صدفة أن يتصدر المرشحان المشهد الانتخابي، رغم وجود ٢٢ مرشحاً آخر. فقد كان واضحاً منذ البداية أن المنافسة ستنحصر بينهما، بما شكل استقطاباً ثنائياً سيظهر بشكل واضح خلال الدورة الثانية (المقررة يوم ٢٨ كانون الأول المقبل). وبدأت مبكراً المعركة الانتخابية بين السبسي والمرزوقي، منذ مساء أول من أمس، وبعد لحظات قليلة على إغلاق آخر مكتب اقتراع في البلاد، إذ أعلن الرئيس المؤقت أنه يطلب الدعم من "القوى الديموقراطية" باعتباره مرشحها، بهدف الوقوف في وجه ما سمّاه عودة الاستبداد والمنظومة التي حكمت البلاد بين ١٩٥٦ و٢٠١١. كذلك طلب الدعم من "الجبهة الشعبية" التي حقق مرشحها حمة الهمامي حوالى ١٠ في المئة من الأصوات ليكون في المرتبة الثالثة، وكانت قد نجحت "الجبهة" أيضاً في حصد ١٥ مقعداً في البرلمان، وهي سابقة تاريخية في تونس. ولم يتأخر رد "الجبهة" كثيراً، إذ أعلن الأمين العام لـ"حزب الوطنيين الديموقراطيين الموحد" (أحد مكونات الجبهة الأساسية) أن "الجبهة" لم تأخذ قرارها بعد، لكنها لن تدعم في كل الحالات المرزوقي "حليف قتلة" زعيميها، شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
من جهته، رد السبسي بشكل غير مباشر على المرزوقي، خلال حوار أجراه مع إحدى الإذاعات الفرنسية صباح أمس، وأكد أنه هو الممثل الوحيد للقوى الديموقراطية والجمهورية في الدور الثاني من الانتخابات، في حين أن منافسه المرزوقي "حليف الاسلاميين والسلفيين وعصابات ما يسمى "حماية الثورة".
المشهد السياسي في تونس أصبح أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. برز اليسار كقوة ثالثة ذات نفس شبابي، وهو ما تفتقده كل القوى الاخرى، إذ أثبتت الإحصائيات أن أغلب المصوتين لحمة الهمامي هم من الشباب، وذلك في مقابل غياب واضح للفئات الشعبية، التي يبدو أنها ما زالت لم تتجاوز الدعاية المضادة التي قام بها الإسلاميون ضد "الجبهة" على اعتبار أنها "تحالف قوى شيوعية لا تؤمن بالإسلام".
كذلك، أكدت الانتخابات أن الشارع التونسي لفظ، وإلى الأبد ربما، مرشحي "حزب التجمع" المنحل. وقد كشفت المعطيات الأولية ان وزيري آخر حكومة لزين العابدين بن علي، وزير الخارجية كمال مرجان ووزير الصحة منذر الزنايدي، لم يحصد أي منهما أكثر من ١،٥ في المئة من نسبة الأصوات الإجمالية.
في الوقت نفسه، أخرج الشارع التونسي من مشهده السياسي رمزين من رموز النضال الديموقراطي، هما أحمد نجيب الشابي ومصطفى بن جعفر. ويجمع عدد من المحللين أن كلاهما دفع ثمن تقربه من "حركة النهضة" واختلافه مع "القوى الديموقراطية"، التي بدا أنها تخلت عنهما لحساب الباجي قائد السبسي وحمة الهمامي. وقد تكون أول انتخابات رئاسية تعددية عاشتها تونس أول من أمس، قد أنهت الحياة السياسية لمصطفى بن جعفر وللشابي الذي أعلن في وقت سابق أنه سيعتزل الحياة السياسية إن لم يفز في الانتخابات.
كما يبدو مصير الثنائي مرجان والزنايدي غامضاً، فقد فقدا قاعدتيهما الشعبية من "الدساترة" و"التجمعيين"، اللتين يبدو أنهما فضّلتا عليهما العجوز البورقيبي، الباجي قائد السبسي، وهو ما يعني ضمنياً نهايتهما السياسية، ولن تغفر لهما القواعد الدستورية اصطفافهما خلف "حركة النهضة"، في محاولة لإضعاف الزعيم التاريخي لـ"الدساترة"، الباجي قائد السبسي.
لقد أقصت أيضاُ نتائج الانتخابات أغلب المرشحين المستقلين، وحتى زعيم "الاتحاد الوطني الحر" رجل الأعمال، الإشكالي، سليم الرياحي.
عموماً، لم تكن النتائج مفاجئة. لكن المرشح الذي أثارت النتائج التي حصل عليها الكثير من الجدل هو الرئيس المؤقت المرزوقي. فقد كان الاول في كل محافظات الجنوب وبعض محافظات الوسط الغربي، وحتى الشمال، في الوقت الذي لم يحصل فيه حزبه في انتخابات البرلمان الا على أربعة مقاعد فقط، ما يؤكد أن "حركة النهضة" تقف وراءه، رغم إعلانها أنها لا تساند أي مرشح.
في الدور الثاني، لا تستطيع "النهضة" أن تقف على الحياد، والأقرب الى الظن أنها ستدعم رسمياً وعلناً مرشحها المنصف المرزوقي، المتهم بأنه يمثل التحالف التركي ـ القطري. كذلك ستدعم بقية الاحزاب الدينية والجمعيات القريبة منها المموّلة بشكل كامل من قطر المرزوقي، وكذلك ستفعل "روابط حماية الثورة" المحظورة.
مقابل ذلك، يتوقع أن يكون الباجي قائد السبسي مرشح القوى الجمهورية والمدنية، ومن بينها "الجبهة الشعبية" و"جبهة الاتحاد من أجل تونس" وأحزاب أخرى ممثلة في البرلمان مثل "الاتحاد الوطني الحر" و"حزب آفاق" و"الجبهة الوطنية"، الى جانب "الاحزاب الدستورية"، مثل "المبادرة الوطنية الدستورية" و"الحركة الدستورية" و"اللقاء الدستوري"، إضافة الى منظمات وجمعيات. ومن الواضح أن المعركة في تونس اليوم، وبعد نتائج الانتخابات، انحصرت بين الإسلاميبن وحلفائهم الذين اصطفوا خلف مرشحهم المرزوقي، والقوى الديموقراطية والمدنية التي يتوقع أن تصطف خلف السبسي، ليتأكد بذلك الاستقطاب الثنائي الذي أصبح حقيقة في المشهد السياسي التونسي. فلمن ستكون الغلبة يوم ٢٨ كانون الأول؟