عمان | بينما أعلن الجيش الأردني إحباط عملية تسلل لأشخاص من جنسية عربية متوجهين إلى «دولة مجاورة» للقتال في صفوف «تنظيم إرهابي»، غادر الملك عبد الله الثاني، أمس، متوجهاً إلى الإمارات في زيارة خاصة جاءت بعد يومين على اعتقال نائب المراقب العام لجماعة «الإخوان المسلمين» في المملكة، بعد نشره «منشوراً عبر الفايسبوك» ينتقد فيه الإمارات ويتهمها بأنّها «الداعم الأوّل للإرهاب».
ويرى مراقبون لشؤون «الإخوان» في الأردن أنّ اعتقال نائب المراقب العام للجماعة وآخرين محسوبين عليها يتجاوز ما يقال عن التهمة المتداولة، وهي تعكير صفو العلاقة مع دولة شقيقة. ففي الأيام الأخيرة، استغلت الجماعة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى، من أجل الهجوم على الموقف الرسمي الأردني، واتهامه بـ«التهاون في رعاية المقدسات والشؤون الإسلامية في القدس»، وهو سلوك يتناقض كما يرون مع موقف الإسلاميين أنفسهم من الاستنكار التركي الأخير للعملية في القدس المحتلة.
وتصل الحال بالكاتب الصحافي، إسلام العياصرة، إلى القول إن التناقض في موقف إخوان الأردن يتضح من الهجوم على الموقف الرسمي لعمان، مقابل الهدنة السياسية تجاه السلوك المصري إبّان حكم محمد مرسي وأسلوب معاملته المسؤولين الإسرائيليين. ويضيف العياصرة: «إذا كانت الجماعة ترى في دولة الإمارات نظاماً عميلاً للصهاينة، فلماذا لم نسمع منهم تعليقاً وتوضيحاً عن عقد الصفقات واللقاءات أكثر من مرّة مع السفراء الغربيين في المملكة، وهي دول حليفة وداعمة للاحتلال؟».
أما الكاتب والمستشار القانوني، يحيى شقير، فيقول إن هناك «بعداً قانونياًَ يحيط بحادثة الاعتقال الأخيرة، إذ توجد في الممكلة مادتان قانونيتان عن تعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية، وتعريض الأردنيين لخطر أعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم)». ويذكّر شقير بمحاكمة كل من النائبين السابقين، محمد أبوفارس وعلي أبوسكر، على خلفية التعزية بوفاة أبومصعب الزرقاوي، التي على أساسها اعتبرت عضويتهما في مجلس النواب ساقطة (حوكما أمام محكمة أمن الدولة لمخالفتهما المادة 118).
كذلك رأى الخبير في تاريخ الحركة الإسلامية الأردنية، معاذ البطوش، أنّ توقيف «زكي بن أرشيد لم يكن مفاجئاً بعد سنوات على استخدامه الألفاظ النابية والقاسية بحق الحكام في الأردن، ومنها وصفهم بالغربان والفئران خلال خطاب في تجمع شهير على دوار الداخلية قبل عامين».
التوقيف الأخير رسالة للجماعة بأن الدولة في أقوى أحوالها
ويعتقد البطوش أنّ هذا التوقيف «يحمل العديد من الرسائل الموجهة إلى الجماعة، ومفادها أن الدولة في أقوى أحوالها»، في إشارة إلى ما شدّد عليه وزير الداخلية، حسين المجالي، خلال مؤتمر عقده بحضور رئيس الوزراء.
في السياق، أكد وزير الشؤون السياسية، خالد الكلالدة، أمس، أنّ «الحكومة لا تقصد جماعة بحدّ عينها» تعليقاً على اعتقال زكي بن أرشيد. ونفى أيّ توجّه للحكومة الأردنية لحلّ جماعة «الإخوان» أو تصنيفها منظمة إرهابيّة. لكن رئيسة لجنة الحريات السابقة في مجلس النواب، رولا الحروب، رأت أنّ الاعتقالات الأخيرة مقلقة، وجاءت «في توقيت لا يستطيع فيه المجلس أن يعقد أي اجتماع للجنة الحريات، إذ لا رئيس لها قبل 25 و26 من الشهر الجاري». وما تخشاه، الحروب، أن يكون مطبخ القرار الأردني قد قرر اللحاق ببعض دول الخليج، ومن قبلها مصر، في اعتبار «الإخوان» جماعة إرهابية.
ويذهب أبعد من ذلك المعارض اليساري، سعد العلاوين، الذي قال إن الاعتقال رسالة موجهة إلى الإمارات من أجل دعم مالي للأردن، وهو ما ربطه آخرون بزيارة الملك عقب الحادثة الأخيرة للإمارات، فيما يتجه المعارض الأردني واللاجئ السياسي في السويد، علاء الفزاع، إلى نصيحة الإخوان بأن يتوقعوا «اعتقال كلّ من يهاجم قطر أو السعودية أو العراق». لكن الفزاع لم يوافق على ما كتبه بن أرشيد على صفحته الشخصية، «باعتباره خارجاً عن أبسط حسابات السياسة، ولم يراع فيها أن النظام الأردني يتحمل ضغوطاً كبيرة لحظر الجماعة منذ مدة».
وفي ما يخص الأنباء الأولية عن تضييقات في الأمر شملت أردنيين محسوبين على الإخوان كفصلهم من العمل أو إنذارهم، يرى المراقبون أن ذلك سيضر الإمارات نفسها، إذ تبلغ قيمة الاستثمارات الأردنية فيها ما يقارب ١٦ مليار دولار، في حين لم تبلغ قيمة الاستثمارات الإماراتية في الأردن نصف هذا الرقم. كما يوجد في الإمارات ما يقارب ٢٧ ألف مهندس أردني يمثلون طبقة التميز الهندسي في الدولة، ويشرفون على غالبية المشاريع هناك.
كذلك يعتبر هؤلاء أنّ الظروف الإقليمية غير مؤاتية لقرار أردني من قبيل حظر التنظيم، ولا سيما أن هذه الظروف تتأرجح تارة لمصلحة الإخوان وامتداداتها الإقليمية، وتارة أخرى لجهة النظام الذي يحظى بتأييد دولي وشعبي بدليل ثباته واستقراره رغم كل الزلازل السياسية والأمنية التي تحيط به من كل الجهات.