دمشق | «أهالي مدينة جرمانا يملؤون الشوارع بعد دخول المسلحين إلى منازلهم»، «لقد أتى الموت»، هي مجرّد كلمات نشرت على مواقع «التواصل الاجتماعي» وقرأتها هيلين، لتصاب بالذعر على أهلها القاطنين في مدينة جرمانا (في ريف دمشق). وحين لم تتمكن، على مدى ساعتين، من الاتصال بهم، بسبب انقطاع خطوط الهاتف، راحت أسئلة من قبيل «هل دخل المسلحون بيتنا؟ هل أهلي أحياء؟» تعتمل في رأسها، فتزيد من ذعرها الذي أوصلها إلى حدّ الانهيار، قبل أن تتلقى اتصالاً من والدتها تبلغها فيه أن لا أساس من الصحة للأخبار المنتشرة على صفحات «التواصل الاجتماعي».
ما حدث مع هيلين ليس استثناءً، في ظلّ الحرب التي تعيشها سوريا اليوم، وفي وقت بات فيه نشر الأخبار الكاذبة وترويج الشائعات سمة مواقع «التواصل الاجتماعي»، ما يتطلب تقصّي الحقائق، ورفع مستوى الوعي المجتمعي تجاه هذه الظاهرة.
يتحدث صهيب، الشاب العشريني، الذي يدير إحدى شبكات الأخبار في حلب، بثقة مفرطة عن أهميّة عمله في ظلّ غياب المصادر الموكل إليها مهمة نقل الأخبار في مناطق الاشتباك، إلّا أنّ ثقته تبدو مترافقة مع معرفته السطحيّة بطريقة بناء الخبر، واختيار ما يساعد الناس منها، أو ما يهمهم. يؤكّد أنّ ما يقوم به يتمّ عبر «مصادر خاصّة في المناطق التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية، وذلك بسرية تامّة وحرص شديد، خوفاً على حياة تلك المصادر». لكنّه يتابع شارحاً آلية عمله، المعتمد على تقاطع الأخبار الواردة إليه من قبل مصادر «في الداخل» مع ما تنشره «التنسيقيّات» على صفحات «فايسبوك»، وبالتالي «نستخلص الأقرب إلى الحقيقة في الخبر، ومن ثم نقوم بنشره». ولم ينفِ، صهيب، الأخطاء التي يقع فيها، هو وزملاؤه أثناء عملهم، بل يبرّرها بتعذّر مطابقة الأخبار بشكل دائم «وبالتالي تبقى المصادر الأهلية أغلب الأحيان هي مصدر الثقة في نقل الخبر».
أمّا ربيع الذي يدير أكثر من شبكة أخبار، فيعزو المشاكل التي يواجهها مديرو الشبكات اﻹخبارية إلى «لجوئهم إلى المصادر الأهلية والمحلية الموجودة، سواء في مناطق سيطرة الحكومة السورية أو مناطق سيطرة المجموعات المسلّحة»، ملقياً اللوم على المصادر الرسمية التي «تتأخر في تعميم الأخبار، ما يجعل صاحب الصفحة أو الشبكة يحقق سبقاً صحافياً، في حال كانت أخباره دقيقة».
إنّ ما يظنّه ناقلو الأخبار عبر «فايسبوك» عملاً إعلامياً، يراه خبراء الإعلام عملاً بعيداً، كلّ البعد، عن فنون العمل الصحافي. حيث رأى الإعلامي الدكتور بسام رجا أن «هذا النوع من التسويق للأخبار يصنف ضمن الشائعات التي تمثل مرحلة جديدة ومتطورة في الحروب الحديثة»، مضيفاً أنّ «الشائعة تعدّ، في هذا الجيل من الحروب، واحدة من الأساليب المهمّة. إنّ نشر خبر كاذب، أو إشاعة ما، لا يكون عشوائياً، بمعنى أنّ أجهزة معينة تابعة لبعض الدول تقوم بترويج بعض الشائعات، لتحقيق مجموعة من الأهداف التي تخدم الأجهزة المروّجة للشائعة، ليكون لها تأثير شديد الخطورة على جميع النواحي، السياسية والأمنية». ويعتقد رجا أنّ هذه الحروب تعتمد على الحرب النفسية والحروب السرية، عبر مجموعات مدربة لإحداث اضطرابات، بالتزامن مع العمليات الإرهابية، والتفجيرات، والغزو الثقافي، ونشر الشائعات، وغير ذلك من الأنشطة التي تهدف إلى تدمير الروح المعنوية للخصم». ويشرح رجا أن هذه الممارسات قد تطوّرت، وأصبحت تدور بين الدول في عدة اتجاهات، أو بين الدول ومجموعات لا همّ لها سوى كسر إرادة الشارع وتحطيم معنوياته، وإفشال مؤسسات الدول المستهدفة، بحيث يسمح ذلك بتدخلات خارجية لتحقيق وتنفيذ مخططات معينة.
لا شك في أنّ تأثير الشائعات والأخبار المتناقلة عبر «فايسبوك» لم يعد محصوراً في نطاق محدّد، بل بات يتسع حاملاً معه الكثير من المشكلات النفسية، حيث إن البلدان التي تعاني من الحروب والنزاعات المسلّحة تكون أكثر عرضة لانتشار الاضطرابات النفسية، كالاكتئاب والقلق والخوف، وهو ما أكدته الاختصاصية النفسية روزا البهلول لـ»الأخبار»، مفسّرة ذلك بالنتيجة «الطبيعية تبعاً للضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي يتعرض لها الناس زمن الحروب»، شارحةً أنّ الشائعة هي «رسالة سريعة الانتقال، هدفها إحداث بلبلة وفوضى لتحقيق مآرب في غالبها تكون هدّامة، مستغلّة اندفاع الجمهور لمعرفة الأخبار».
ولطالما كانت الشائعات محطّ اهتمام المشرّع القانوني السوري، حيث أدرج عقوبة ترويج الشائعة والخبر الكاذب في قانون العقوبات، وتشدّد كثيراً في مسألة بث الشائعات الكاذبة، لكونها إحدى منصّات إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، لتصل العقوبة في بعض الحالات إلى الأشغال الشاقة. ولفت المحامي ثائر إبراهيم الى أن «فايسبوك» يعتبر «وسيلة تندرج ضمن الوسائل التي شملتها المادة / 208 / من قانون العقوبات العام، والتي حدّدت معنى العلنية»، مشيراً إلى أنّ التعاطي مع مثل هذه الجرائم أفرزته الحرب في سوريا، والتي أوجبت صدور قانون الإعلام في المرسوم التشريعي رقم /17/ لعام 2012. إلا أن هذه القوانين والتشريعات لم تردع صحافيي «فايسبوك»، حيث تشير نتائج استطلاع رأي أجراه «المركز الإعلامي للدراسات والتوثيق» في دمشق إلى أن 70% من الذين شاركوا في استطلاع رأي أجرته الوحدة الاستقصائية في المركز، يتأثرون بالأخبار الكاذبة والشائعات المنشورة عبر برنامج «واتس أب» أو «فايسبوك»، وأن 350 مشاركاً من أصل 500 قد تعرضوا للصدمة، في أغلب الأحيان، بعد قراءة أخبار اكتشفوا، في ما بعد، أنها كاذبة، فيما أكد 28% أنهم لا يتأثرون بتلك الشائعات، وعلى العكس تماماً ينشطون دائماً في البحث عن أصل هذا الخبر، أو أصل الشائعة قبل التعاطي معها، وقال 2% من المشاركين إنهم لا يعيرون اهتماماً للأخبار المنشورة عبر تلك البرامج والمواقع.