بعدما أخفقت إسرائيل وسياسة التهويل التي اعتمدتها خلال السنوات الماضية في ثني إيران عن مواصلة برنامجها النووي، أو إقناع الدول العظمى بتبنّي شروطها لأي اتفاق محتمل مع طهران، أقرّت أخيراً بتراجع سقف طموحاتها في مواجهة الجمهورية الإسلامية. وفي سبيل ذلك، أوضحت على لسان مسؤول الملف النووي ووزير الاستخبارات، يوفال شطاينتس، بالتزامن مع المفاوضات النووية في فيينا، أن إسرائيل «تركز الآن جهودها من أجل تقليل الأضرار التي يمكن أن تنطوي على أي اتفاق مع إيران». ويأتي ذلك بعدما كانت تل أبيب تطالب، ولا تزال، بتفكيك البرنامج النووي، بل تهدّد بمهاجمة منشآت هناك.

وشدّد شطاينتس، في مقابلة مع صحيفة «إسرائيل اليوم»، على أن «أي صفقة تعقد مع إيران الآن، هي صفقة سيئة»، معلّلاً ذلك بالقول: الاتفاق المرحلي الذي عقد مع إيران أنتج شروط بداية غير جيدة، ونتيجة ذلك جرت إدارة مفاوضات إشكالية منذ ذلك الحين».
في ما يتعلق بمستوى تأثيرهم في المفاوضين الدوليين، بيّن شطاينتس أن إسرائيل «قرّرت الدخول إلى الصورة، ومحاولة التأثير في المحادثات انطلاقاً من فهم مسبق بأن تأثيرنا سيكون محدوداً جداً». وتابع: «تأثيرنا ليس صفراً، ولكن لا نستطيع الإملاء على الدول العظمى مواقفها». وكشف أن السؤال الذي بُحث في إسرائيل: «هل ينبغي علينا أن نجلس جانباً، أو إجراء حوارات (مع الدول العظمى) من أجل تقليل الأضرار؟».
«لكن بعد الاتفاق المرحلي مباشرة»، يواصل شطاينتس، «قلت لرئيس الحكومة إنه لا يكفي أن نأتي ونقول إن هذا الاتفاق غير جيد، ولكن هناك أمل في أن يكون الاتفاق أقل سوءاً مما سيكون عليه من دوننا»، كاشفاً أنه «في البداية كان هناك نهج يقول تعالوا نجلس جانباً، لأنه في كل الأحوال نحن غير قادرين على التأثير... في النهاية انتصرت الرؤية التي تقول إن علينا أن نفعل كل الجهد من أجل تقليل الأضرار، ونشرح ونسد الثغرات».
وعن توجه الدول العظمى، وخاصة أميركا، رأى شطاينتس أنها تريد التوصل إلى اتفاق، وقدّر أن ذلك يعود إلى وجود مشكلات أخرى في العالم، «مثل أزمة أوكرانيا التي أنتجت توتراً كبيراً بين روسيا والغرب... أيضاً هناك أزمة اقتصادية عالمية متواصلة، وحرب في العراق وانتشار الإرهاب». من هنا استنتج أن هناك أملا لدى هذه الدول بأنه في اللحظة التي ترفع فيها العقوبات عن إيران، فإن هذا الأمر «سيساعد الاقتصاد الإيراني، وأيضاً العالمي على مستوى الاستثمارات في الغاز والنفط، لكننا نحدّد أنه في الوقت نفسه هناك مصير العالم، وليس مصيرنا ومصير الشرق الأوسط، بل الكثير من المصالح الأخرى».
شطاينتس كرر الشروط والمطالب الإسرائيلية التي ينبغي أن تكون أساساً لأيّ اتفاق مع إيران. ورأى أنّ الحلّ يكمن في السماح لإيران بنووي سلمي، ولكن مع منعها من إنتاج أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، «فأقصى ما ينبغي لإيران الحصول عليه هو أن يكون وضعها مشابهاً لكل من إسبانيا والسويد وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا».
إلى ذلك، كشفت صحيفة «هآرتس» أن تقديرات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان» ترجح أنه لن يتمّ التوصل إلى اتفاق حتى الرابع والعشرين من الشهر الجاري، في الوقت نفسه، استبعدت الاستخبارات تفجّر المفاوضات، ورأت أنّ البديل يتراوح بين التوصل إلى تفاهم بين الطرفين، الإيراني والدولي، لعدة أشهر، أو بلورة اتفاق يتضمّن القضايا التي تمّ التوافق بشأنها حتى الآن.
وأضافت الصحيفة: «هذا الاتفاق سيتضمّن خطوات عملية سيفعلها الطرفان لتطبيق ما تمّ الاتفاق عليه، وتحديد مدّة زمنية أخرى لمواصلة المفاوضات في القضايا المختلف عليها».
ووفق ما أوردته «هآرتس»، نقلاً عن مسؤول إسرائيلي وصفته بالمطلع، فإن التقديرات الاستخبارية تغيرت بعد القمة الثلاثية بين وزير الخارجية الأميركية جون كيري، ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وممثلة الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، التي عقدت في مسقط.
في إطار متصل، رأى مدير مركز أبحاث الأمن القومي، اللواء عاموس يادلين، أنه لا تهديد وجود محدق بإسرائيل اليوم، «بالرغم من أنها كانت عرضة لهذا التهديد لسنوات كثيرة»، لكن يادلين عاد واستدرك خلال كلمة في مؤتمر قيادة الحركة «الكيبوتسية» بأنّ «الوضع الأمني لإسرائيل كان إيجابياً جداً، حتى شهر حزيران الماضي». وبرّر ذلك بأنّه «في حال تحوّلت إيران إلى دولة نووية، سيتجدد التهديد المحدق بدولة اسرائيل».
كذلك لفت يادلين إلى أن تحول إيران إلى دولة نووية «سيفتح الباب أمام كل المجانين الآخرين». وأشار إلى أن العامل الوحيد الذي يعرّض إسرائيل للخطر هو البرنامج النووي الإيراني، لافتاً إلى أن «أي صفقة سيتم التوقيع عليها بين طهران والسداسية الدولية لن يكون بإمكان إسرائيل التعايش معها». ورأى أن «التيارات الجهادية» التي انتشرت في أعقاب انهيار أنظمة عربية «لا تشكل تهديداً وجودياً» على إسرائيل.