مرة جديدة، يعبّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن الاختلاف في وجهات النظر بينه وبينه حليفته الكبرى، الولايات المتحدة، بشأن برنامج العمل في سوريا. ووصل هذا الاختلاف إلى حد الافتراق بين أنقرة وواشنطن في واحد من أكثر الملفات أهمية وخطورة في المشرق العربي، المتمثل بالحرب على تنظيم «داعش». فتركيا لا تزال مصرة على عدم المشاركة في قتال «داعش»، وواشنطن لا تزال متمسكة بعدم اتخاذ خطوات من شأنها إسقاط النظام السوري. فأنقرة لن تساعد في قتال داعش، إلا إذا منحتها واشنطن غطاءً لإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري، وخطوات جدية تكون كفيلة بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد.
لكن أولوية الولايات المتحدة الأميركية تتركز حول نقطتين: إضعاف داعش، وتقوية المعارضة السورية لاستنزاف النظام وإجباره على تقديم تنازلات في عملية سياسية. أردوغان لا يكترث لهذين الهدفين الأميركيين. هاجسه هو إسقاط غريمه، الأسد. ولهذا السبب، عبّر أمس عن خيبة أمله، إذ أعلن عن شعوره بالإحباط لعدم استجابة واشنطن وحلفائها للشروط التي حددتها بلاده لكي تؤدي دوراً أكبر في التحالف ضد «داعش» في سوريا. وصرّح للصحافيين في مطار أنقرة قبل أن يغادر إلى الجزائر، بأن التحالف «لم يتخذ أية خطوات طلبناها». وأضاف: إن «الأطراف لم تتخذ بعد خطوات حاسمة بشأن خطة تدريب وتجهيز» مقاتلي الجيش السوري الحر.
وتزامنت تصريحاته مع زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص جون ألان لأنقرة لإجراء محادثات مع المسؤولين الأتراك لم يُعلَن عنها مسبقاً. كذلك سيزور نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أنقرة غداً، وهو الذي اتهم علناً تركيا بالتساهل مع مقاتلي «داعش». وعشية الزيارة التي تستغرق ثلاثة أيام، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن «مسؤول كبير في الإدارة الأميركية» قوله إن «اقتراح تركيا إقامة منطقة عازلة ومنطقة حظر جوي ليس على جدول الأعمال».
في هذا الوقت، بدا خلال اليومين الماضيين أن «ساعةً صفراً» غير معلنة قد دقّت، لتبدأ التنظيماتُ «الجهادية» تصعيداً جديداً على مختلف الجبهات في سوريا، من حلب شمالاً إلى القنيطرة في الجنوب الغربي. فيما تستمرّ المعارك العنيفة التي يخوضُها المقاتلون الأكراد في ريف الحسكة (شمال شرق) وفي عين العرب (كوباني)، والجيش السوري في محيط حقل شاعر في ريف حمص، ضدّ تنظيم «الدولة الإسلاميّة». وبينما تواصل «جبهة النصرة» أداء دور محوري في معركة «فتح من الله ونصر قريب» التي أطلقتها مجموعات مسلّحة عدّة في ريف القنيطرة، تشارَكت «جبهة أنصار الدين» مع «النصرة» في إطلاق معركة «زئير الأحرار» في ريف حلب الجنوبي الشرقي. المشاركون في معارك حلب يتشاطرون انتماءً «قاعديّاً»، إذ تُعتبر «النصرة» رسميّاً «تنظيم القاعدة في بلاد الشام»، بينما تضم «أنصار الدين» كلّاً من «حركة فجر الإسلام»، و«حركة شام الإسلام» اللتين تدينان بـ «بيعة» للتنظيم العالمي، علاوةً على «جيش المهاجرين والأنصار» الذي يتزعّمه صلاح الدين الشيشاني، ويضمّ «جهاديين شيشانيين» في الدرجة الأولى. وتستهدف معارك «زئير الأحرار» معامل الدفاع في الدرجة الأولى، وقالت مصادر معارضةٌ إنها أدت إلى سيطرة المسلحين على قرى طاط، والجعرة، وعقربة، في ريف حلب الجنوبي، وتقدمهم في اتجاه صدعايا، ديمان، ورسم الشيح، وسط استمرار المعارك العنيفة على أبواب كتيبة الدفاع الجوي في الريف الجنوبي الشرقي. وتأتي المعركة سعياً إلى تحقيق التفاف يُفضي إلى وصول المسلحين إلى السفيرة (ريف حلب الشرقي)، الأمر الذي يُعتبر مهمّة شبه مستحيلة، نظراً إلى صعوبة السيطرة على معامل الدفاع.
أعلنت مجموعات مسلحة في ريف
إدلب توحدها باسم «الجيش الحر واحد»



بدوره، قال مصدر ميداني سوري لـ«الأخبار» إنّ «هجمات التنظيمات الإرهابية الأخيرة تأتي في سياق محاولاتها المتكررة لقلب الموازين في محافظة حلب، وعرقلة مبادرة المبعوث الأممي لتجميد القتال فيها». المصدر امتنعَ عن التعليق على أنباء تقدم المسلحين، مكتفياً بالتأكيد أن «هذه المحاولات ستبوء بالفشل كسابقاتها».
في الأثناء، خاض مقاتلو وحدات الحماية الكردية معارك عنيفة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في قريتي الأهراس والعلوش بريف رأس العين الجنوبي، أدت وفقَ مصادر «جهادية» إلى «مقتل أكثر من عشرة مقاتلين أكراد، إثر كمين نصبه مقاتلو التنظيم في العلوش». كذلك دارت اشتباكات أخرى بين الطرفين في قرية ذرايا (في الريف الجنوبي لمدينة القامشلي)، أدت وفق تأكيدات مصادر كردية لـ«الأخبار» إلى «إلحاق الوحدات الكردية خسائر كبيرة بالتنظيم». وعلى صعيد متصل، استمرت المعارك بين الطرفين على جبهة عين العرب (كوباني)، حيث كثّف التنظيم استهداف تمركزات المقاتلين الأكراد بقذائف الهاون، فيما ردّ المقاتلون الأكراد باستهداف مواقع التنظيم في المدينة. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن «طائرات التحالف استهدفت تمركزات للتنظيم بالقرب من المركز الثقافي جنوب شرق عين العرب».
إلى ذلك، دارت اشتباكات عنيفة بين الجيش السوري وتنظيم «الدولة الإسلامية» في محيط حقل شاعر (ريف حمص الشرقي)، وفيما أكدت مصادر «جهادية» أن «تنظيم الدولة الإسلامية أحرز تقدماً جديداً»، سخر مصدر ميداني سوري من هذه الأنباء، مؤكداً لـ«الأخبار» أن الجيش السوري «وعلى العكس من ذلك قد وسّع النطاق الآمن حول الحقل، وأحكم سيطرته على نقاط جديدة شمال البئر 107».

«التحالف» يستهدف مبنىً فارغاً في حارم

على صعيد آخر، شنت مقاتلات تابعة لـ«التحالف الدولي» غارة استهدفت بناءً سكنيّاً مؤلفاً من طبقتين في مدينة حارم على الحدود السورية التركية، ما أدى إلى دماره بشكل كامل. مصادر «جهادية» أكدت أن البناء كان في وقت سابق مقرّاً لـ«جبهة النصرة»، لكنه «أُخلي بعد الغارات الأخيرة التي تعرضت لها المدينة»، فيما قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن «الغارة أدت إلى مصرع مقاتلين اثنين من جبهة النصرة كانا قريبين من المبنى لحظة القصف».

...ومحاولات لإحياء «الجيش الحر» في إدلب

في مسعىً لوضع حد للتمدد «الجهادي»، وإحياء «الجيش الحر» في ريف إدلب، أعلنت مجموعات مسلحة أمس توحدها باسم «الجيش الحر واحد». ومن أبرز تلك المجموعات «حركة حزم»، «تجمع صقور الغاب»، «جبهة حق المقاتلة»، و«الفيلق الخامس». المجموعات أعلنت في بيان لها «تشكيل مجلس شورى مع ترك المجال مفتوحاً لأي فصائل جديدة تريد الانضمام»، متوعدة النظام «وكل من يتسنى له الاعتداء على أي مقاتل في الجيش السوري الحر». وكانت هذه المجموعات قد أصدرت قبل أيام بياناً في شأن المعارك بين «جبهة النصرة» و«جبهة ثوار سوريا»، طالبت عبره «النصرةَ» بـ«قبول التحاكم إلى الشرع».




معامل الدفاع... الهدف الصعب

تهدف معارك «زئير الأحرار» إلى السيطرة على معامل الدفاع في ريف حلب. لكنّ المهمّة تبدو شبه مستحيلة، بتضافر عوامل كثيرة. فالمساحة التي تمتدّ عبرها المعامل شاسعة، ويتطلبُ حصارها عديد قوات يتجاوز بكثير قدرة المجموعات المسلحة المشاركة في الهجوم. وهي أشبه بمدينة عسكرية متكاملة، ومكتفية بذاتها. هي عبارة عن كتل متباعدة محصّنة تحصيناً شديداً. فيها معامل ذخائر وقذائف مستمرة في الإنتاج، وتعتبر أحد أهم خزانات سوريا على هذا الصعيد. تضم مطارات هليكوبتر لا يمكن أن تطالها القذائف بسهولة، نظراً إلى المساحات المترامية. ويقطن العسكريون العاملون فيها وعائلاتهم في مدينة سكنية ملاصقة لها اسمها الواحة، فيها مخابز، ومتاجر، ومستودعات أغذية تحقق لها اكتفاءً طويلاً.