حيفا المحتلة | وثقت «الحركة العالميّة للدفاع عن الطفل» شهادات مئات الأطفال والفتيان الفلسطينيين، من الضفّة المحتلّة، حول معاملة جنود الاحتلال لهم خلال اعتقالهم وبعده. «الأخبار» حصلت على عددٍ من هذه الشهادات التي قُدِّمت إلى سلطات الاحتلال للتحقيق فيها. يقول الفتى الفلسطينيّ أيمن، (17عاماً) من قضاء جنين، في إحدى الشهادات: «الواحدة والنصف بعد منتصف الليل. كنت نائماً أنا وخمسة من أفراد عائلتي. استيقظت على صوت طرقات قويّة على الباب. خفت كثيراً، ثم توقّف الطرق على الباب، وهدأ كلّ شيء».
ويتابع أيمن أنّ قنبلةً صوتيّةً انفجرت بعد ذلك، واهتزّ البيت جرّاءها، مكملاً: «عصبوا عينيّ بشريطٍ، ثم أدخلوني إلى حافلةٍ، وأجلسوني على الأرض الحديديّة. كانت الحافلة مليئة بالجنود والكلاب. أنا أخاف الكلاب». ويستمرّ في وصف المشهد حيث ترك الجنود، الكلاب تتقافز حوله، وحين توقفت الحافلة، أمر بالنزول منها قفزاً، وهو معصوب العينين، ما أدى إلى سقوطه وإصابته برضوض في جسده.
«رفعني جنديّ عن الأرض بقوّة قائلاً لي (ك... أمك) ثمّ أجلسني عند «الكونتينر» الحديدي، وجاء شخص يسألني إن كنت أعاني من أمراض، ثمّ تقدّم منّي جندي آخر صارخاً (عربي منيك) ولكمني على وجهي، ثمّ أمسك رأسي وراح يضربه بحديد الكونتينر»، يكمل أيمن: «تكرّر ذلك ثلاث مرّات خلال ساعتين».
أما أحمد (مواليد 1995) من منطقة جنين، فيروي في شهادته أنّه ظنّ أن والده يمازحه حين أيقظه من النوم ليقول له إنّ الجنود يحاصرون البيت ويطلبونه، مضيفاً: «نهضتُ، ورأيت الجنود يصوّبون أسلحتهم إلى عائلتي، وأحدهم يصوّب بندقيته نحو شقيقتي الصغرى (7 سنوات)، وكانت يارا ترتعد خوفاً. وحين حملوني إلى سيارتهم (الجيب) كان الجندي يخاطبني: بدي إفعل وأترك بأختك العاهرة... لقد طلبوا منّي الاعتراف دون أن يخبروني ما هي تهمتي».
يتابع أحمد في شهادته كيف ركله الجنود في «الكونتينر» وأحدهم كان يشتمه «أنت ابن كلبة، أمك وأختك عاهرتان»، ثمّ يسمع أحمد الجندي ذاته يتحدّث عبر الهاتف مع فتاة ما، ويخبرها عنه، ثمّ عاد ليضربه طالباً منه أن يصرخ أمام الهاتف لتسمعه الفتاة على الطرف الآخر. ينهي أحمد شهادته: «فهمتُ أن الفتاة طلبت من الجندي أن يصورني، فبدأ يلتقط لي الصور بواسطة هاتفه النقال».
كذلك معتز (17عاماً) من قضاء نابلس، تحدّث عن اعتقاله، وكيف ربط الجنود يديه خلف ظهره، وهو معصوب العينين، وأجبروه على الانحناء حتى يلامس رأسه ركبتيه. بقي على هذه الحال أكثر من ساعة. يقول: «أثناء جلوسي، تقدّم مني أحد الجنود، وسألني عن صحّتي، وإن كنت مصاباً بأمراض، ثمّ شتمني (ك... أمك)». ويتابع معتز رواية تفاصيل اعتقاله، حيث اقتاده الجنود في الصباح إلى غرفة، وفتشوه عارياً.
«توسّلت إليهم أن أدخل الحمّام لقضاء حاجتي، لكنهم رفضوا. بدأ جسدي يرتجف من البرد، ثمّ شعرت بدوار أوصلني إلى التقيؤ». بعد ذلك يقول معتز إنّ الجنود ساقوه إلى مركز تحقيق «بيتاح تيكفا»، وعند وصولهم أدخلوه العيادة الطبيّة، حيث كان الطبيب متجهّزاً لفحصه، واقترب السجّان من معتز هامساً بأذنه: «هذا الطبيب يجب أن يفعل... ويترك وبالأولاد».
في هذا السياق، أعلن المدّعي العسكري العام، أنّ قسم التحقيقات في الشرطة العسكرية الإسرائيلية، شرع في تحقيقات جنائية ضد جنود من الجيش بشبهة ارتكاب مخالفات جنائية خلال اعتقال فلسطينيين قصّر في مناطق مختلفة في الضفة. ويأتي هذا الردّ في أعقاب توجّه مركز «عدالة» إلى المستشار القضائي للحكومة، مطالباً بفتح تحقيق جنائيّ، ومحاسبة الجنود على الاعتداءات والتنكيل الذي يمارسونه بحق الأطفال.
وعقّب المحامي، نديم شحادة، وهو من مركز «عدالة»، على قرار المدعي العسكري العام بأنّ «الحالات التي قرّر المدّعي التحقيق بصددها، ليست حالات شاذّة أو هامشيّة، لكنها تعكس نهجاً يتّبعه الجيش الإسرائيلي خلال اعتقال الأطفال الفلسطينيين»، مضيفاً: «إنّهم يعتدون عليهم جسدياً ونفسياً، ويحرمونهم أبسط حقوقهم». وذكر شحادة أنّ الشرطة العسكريّة حققت، في السنوات الأخيرة، في العديد من الشكاوى المتعلّقة بعنف الجنود ضد المدنيين الفلسطينيين، «لكنها تحقيقات غير جديّة، وغير مهنيّة، ولم تسفر عن أيّ إجراءات عقابيّة ضد الجنود المتورّطين».